افتتاحية قاسيون 1100: لماذا نحتاج تسوية سورية- تركية؟
رغم كثرة الحديث السياسي والإعلامي عنها، إلا أنّ السير الفعلي في تسويةٍ سورية تركية ما يزال معلّقاً وعالقاً كما يبدو على السطح على الأقل؛ ويتقاطع في العمل ضد مثل هكذا احتمال كلٌ من الغربيين (الذين أبدوا موقفهم المعارض صراحة)، والمتشددين في كلٍ من النظام والمعارضة على حدٍ سواء.
إنّ الوصول وبأسرع وقتٍ إلى تسويةٍ سورية تركية على أساس وحدة الأراضي السورية، وعلى أساس مبدأ السيادة، هو ضرورة قصوى من وجهة نظر مصلحة الشعب السوري ومصلحة سورية، لأسباب عديدة بينها
أولاً: تفضح تصريحات ميركل الأخيرة حول الطريقة الاحتيالية والانتهازية التي تعاملت بها أوروبا وأمريكا مع اتفاقات مينسك الخاصة بأوكرانيا، منهج العمل الغربي بما يخص سورية أيضاً والقرار 2254 ضمناً؛ أي عدم وجود أية مصلحة غربية في الوصول إلى حلٍ واستقرار حقيقي في سورية، ما يجعل الوزن المطلوب من أستانا ومعها الصين والدول العربية الأساسية ليس مفتاحياً فحسب، بل وحصرياً في الدفع الحقيقي نحو إنهاء الأزمة السورية، وتسوية سورية تركية هي خطوة لا بد منها لتحقيق ذلك.
ثانياً: إنهاء تأثيرات الحصار والعقوبات الغربية غير ممكن بأية حالٍ من الأحوال، دون تحويل الحدود السورية التركية إلى الباب الأساسي لكسر الحصار والعقوبات؛ والذي يمكن عِبره حل مسائل الطاقة والكهرباء والتجارة الدولية على العموم، بالاستناد إلى خلق مساحة آمنة تصلنا بالدول الصاعدة واقتصاداتها بعيداً عن الابتزاز الغربي عبر البحار.
ثالثاً: لا يمكن إنهاء احتمالات انفجار وقف إطلاق النار في الشمال الشرقي والغربي دون الوصول إلى تسوية مع تركيا، ولا يمكن الوصول إلى إنهاء الوجود العسكري التركي غير الشرعي دون حصول تسوية وتوافق، لأنّ الوسيلة الأخرى هي الحرب، والتي ليست واردةً ولا منطقية، حتى أنّ أولئك الذين يعملون ضد التسوية لا يطرحونها كأداة لإخراج العسكر التركي، ولا يطرحون بدائل أخرى بطبيعة الحال.
رابعاً: تحقيق تسوية سورية تركية، يعني تقليص قدرة الولايات المتحدة خاصة، ليس على الوجود العسكري غير الشرعي في سورية فحسب، بل وعلى التأثير التخريبي السياسي عبر التلاعب في ملفات الشمال شرقه وغربه.
خامساً: أكثر من نصف وزن أزمة اللجوء السوري تتركز في تركيا، ولا يمكن دون حلّ هذه الأزمة الحديث عن أية عودة للحياة في سورية، أو عن أية إعادة للإعمار. وتحقيق تسوية مع تركيا من شأنه تسريع حل هذه المسألة وتسهيله.
سادساً: في الإطار الاقتصادي أيضاً، فإن تركيا قد نهبت مياهنا خلال السنوات الماضية مستفيدة من الوضع الرديء الذي نعيشه، وأية تسوية معها هي باب لاستعادة حقوقنا المائية التي تشكل أحد المداخل الضرورية في عملية إعادة الحياة لسورية.
ربما يقول قائل إنّ أية تسوية بين طرفين تتطلب وجود حاجة مشتركة عندهما، والواقع أنّ أوراق سورية ضعيفة جداً، وأية تسوية ستجري ستكون على حسابها. هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع بما يخص المسألة موضع النظر؛ فتركيا تحتاج المصالحة بالقدر نفسه الذي نحتاجه نحن؛ ليس لأنّ قسد/ مسد تهدد أمنها القومي، فهذا بمعظمه بروباغندا سياسية، وليس من أجل الانتخابات التركية، فهذه أيضاً أصغر من أن تُفسر حقيقة الأمر.
تركيا تحتاج المصالحة لأنّ أمنها القومي مهدد حقاً، كما هو أمن كل دول المنطقة وشعوبها، ولكن ما يهدده هم الأمريكان أنفسهم، عبر محاولات التفجير المستمرة في الداخل التركي وفي محيط تركيا، وعبر الاستنزاف الطويل الأمد المطلوب تطبيقه على كل المنطقة في إطار الصراع الدولي.
أوراقنا ليست ضعيفة نهائياً في الذهاب نحو تسوية من هذا النوع، ولا يمكنها أن تُستكمل إلا بأن يسير معها وبدفع منها الحل السياسي الشامل على أساس التطبيق الكامل للقرار 2254. وأوراقنا ليست ضعيفة نهائياً، لأنّ تسوية كهذه، وبشروطٍ عادلةٍ للطرفين، هي نقطة تقاطع فعلية بين مصالح الشعبين السوري والتركي، وبين مصالح القوى الإقليمية والدولية المهددة أمريكياً و«إسرائيلياً»...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1100