أين وصل حلّ «سوء الفهم» السوري- التركي؟ وما تأثير تفجير إسطنبول وغارات تركيا؟
خلال زيارته إلى دمشق مطلع تموز الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: «نحاول حلّ سوء الفهم بين سورية وتركيا عبر الطرق الدبلوماسية والحوار».
فإلى أين وصلت عملية حلّ «سوء الفهم» هذه، عشية اجتماع جديد لأستانا سيعقد يومي 22 و23 من الجاري، وبعد مضي أكثر من أربعة أشهر على الإعلان الأولي عنها؟
فلاش باك
شكّل تصريح الوزير الإيراني المشار إليه مفاجأةً للكثيرين، خاصة مع استخدامه لتعبير «سوء الفهم» لتوصيف طبيعة العلاقة الراهنة بين سورية وتركيا.
اتضح للجميع بعد أيامٍ من التصريح، أنه كان جزءاً من تحضيرٍ مشترك مع الروس، ومع الأتراك لقمة طهران الثلاثية، التي عُقدت يوم 19 تموز. بات ذلك أكثر وضوحاً حين عَبّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره السوري (23 آب)، وبشكل علني للمرة الأولى، أنّ روسيا تعمل منذ سنوات للوصول إلى تسوية للعلاقات بين سورية وتركيا. وازداد وضوح العمل المشترك من ثلاثي أستانا في هذا الاتجاه، عبر جملة التصريحات المتعاقبة والمتكررة، التي أطلقها مسؤولون أتراك بمن فيهم الرئيس التركي بخصوص العلاقة مع سورية، وهي تصريحات حملت ما يمكن أن يُوصف بأنه تحول مهم وإعلانُ نوايا.
ناقشت قاسيون في مجموعة من المواد، فهمها لأبعاد هذا التوجه لدى أستانا واستهدافاته، وهو ما سنحاول إجماله بشكل مقتضب قبل الانتقال لمناقشة ما استجد من أمور عشية لقاء أستانا الجديد.
ونشير قبل ذلك إلى أهم مواد قاسيون التي تناولت المسألة مع إمكانية الانتقال لقراءتها عبر الروابط المرفقة:
حول «سوء الفهم» بين سورية وتركيا؟!
ما الذي ستعنيه عودة العلاقات السورية- التركية؟ وبأي شكلٍ وعلى أية أسس ستعود؟
«تطبيع العلاقات مع سورية»: شعارٌ واحد ومضمونان متناقضان
وربما من المفيد التذكير أيضاً، بأنّ قاسيون قد تناولت موضوع العلاقات السورية التركية وأهمية تسويتها كجزء من إنهاء الكارثة، قبل أكثر من ثلاث سنوات من قمة طهران الأخيرة التي طرحت الموضوع للمرة الأولى. وكان ذلك في افتتاحيتها رقم 903 التي حملت عنوان: «العلاقات السورية- التركية والعالم الجديد» (3/آذار/2019).
جوهر المسألة
ربما بين أهم النقاط التي تدفع أستانا لاحتواء التناقض السوري التركي ووضعه على سكة الحل، ما يلي:
التناقض التركي السوري، هو أحد «عوامل الأمان» الضرورية بالنسبة لواشنطن، لتمديد وجودها العسكري في سورية، وتالياً: لتمديد الأزمة، بما يعنيه هذا التمديد من تعميق للمستنقع بالنسبة لكل دول المنطقة.
استمرار التناقض التركي السوري، يعني إبقاء المعادلة السورية معلقةً بين مجموعة أستانا من جهة، والمجموعة الغربية من الجهة المقابلة، وتالياً: منح المتشددين في النظام وفي المعارضة، هوامش إضافية لإبعاد التغيير وإبعاد الحل.
استمرار التناقض التركي السوري، يعني استمرار التأثير القاتل للعقوبات والحصار الاقتصادي الغربي، مع عدم وجود إمكانات فعلية لتجاوزه... فكسر الحصار بشكل عملي، يحتاج لكسر التوتر على الحدود السورية التركية، لأنها ستكون المنفذ الأهم موضوعياً في عملية إعادة الإعمار، ولأنها بوابة واسعة على الاقتصادات الصاعدة.
على أساس هذه المحددات، فإنه ليس من المستغرب إطلاقاً، أنّ عملية «حلّ سوء الفهم»، لا تسير على ما يرام حتى اللحظة، رغم المحاولات الإيرانية والروسية، ومن غير المتوقع أن تسير بسهولة، ليس فقط لأنّ حجم الخلافات المتراكم كبير، بل وأيضاً لأنّ مصالح المتشددين من السوريين الرافضين عملياً للحل السياسي، تتناقض مع هذا الاتجاه، ولذا فليس مفاجئاً أننا لم نشهد إعلان نوايا مُقابل من جهة المتشددين على الجانب السوري.
من المثير للاهتمام، أنّه في التوقيت نفسه الذي تنشط فيه أستانا (ابتداءً من قمة طهران)، باتجاه الدفع نحو تسوية العلاقات السورية التركية، ونحو تأمين أرضية الحل السياسي، فإنّ سيلاً من المبادرات الخلبية يجري إطلاقه، بينها ما قيل إنّه مبادرة أردنية، والتي تلعب إلى جانب الإمارات، ومنذ وقت غير قصير، دور بوابة خلفية للمجموعة الغربية، وللكيان «الإسرائيلي» على وجه الخصوص.
ما لا شك فيه، هو أنّ تسوية العلاقات السورية التركية ينبغي أن تتم باحترام متبادل للسيادة الوطنية، وعلى أساس الاتفاقات الموقعة، أو التي يمكن توقيعها بين البلدين، وعلى أساس المصالح المشتركة للشعبين، وضمن اتجاهٍ عامٍ هو اتجاه إنهاء الكارثة الإنسانية في سورية عبر الحل السياسي، وعبر خروج القوات الأجنبية منها.
ولكن ما لا شك فيه أيضاً، هو أنّ أولئك الذين لا مصلحة لهم في الحل السياسي الشامل عبر 2254، سيعملون حتى اللحظة الأخيرة ضد جهود أستانا الهادفة لإيجاد تسوية معقولة للعلاقات السورية التركية.
بكل الأحوال، فإنّ إحدى المهام المنطقية لاجتماع أستانا القادم بعد أيام، هي أنْ يجري جرد حسابٍ (حتى لو غير معلن)، لمدى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في قمة طهران. وعملية جرد الحساب هذه ضرورية ومفصلية في تحديد الخطوات التنفيذية المطلوبة لتذليل العقبات التي ظهرت خلال الأشهر الماضية، والتي كانت متوقعة بمعظمها!
التفجير والغارات
أعلنت السطات التركية اليوم الأحد 20/11 عن غارات جوية شنتها على مناطق في الشمال والشمال الشرقي السوري، بدعوى «الانتقام» للتفجير الإرهابي الذي جرى في إسطنبول قبل أيام. والنتيجة الأولية للغارات كانت مقتل عددٍ من المدنيين السوريين بينهم صحفي، وكذلك عدد من جنود الجيش السوري.
ليس هنالك أي معنى «عسكري» لهذه الغارات؛ أو بكلام آخر، فإنّ هذه الغارات لم تحقق أيّ هدفٍ عسكري فعلي، ومن السذاجة بمكانٍ التعامل معها على أنها مجرد «انتقام»، لأنّ التعامل معها بهذه الطريقة من شأنه أن يضيع الأهداف الحقيقية وراء هذه الغارات.
عودة إلى 2015-2016
التفجير الإرهابي في إسطنبول والغارات التركية اليوم وليل البارحة، يصبّان عملياً في الهدف السياسي نفسه؛ فهما يعقدان الملفين الأساسيين اللذين من المفروض أن يكونا على طاولة أستانا في اجتماعها القادم بعد غد الثلاثاء. الملفان هما: 1- كيفية دفع عملية تسوية العلاقات السورية التركية قدماً. 2- كيفية دفع عملية التسوية السورية قدماً، بما في ذلك ما يتعلق منها بالشمال الشرقي السوري.
قبل أن نمضي أبعد في محاولة فهم الغايات وراء كلٍ من التفجير والغارات، ربما من المفيد التذكير بأنّ السنوات الماضية قد كشفت حقيقة عملية إسقاط تركيا لطائرة سوخوي 24 الروسية عام 2015؛ إذ بات من المعلوم أنّ أولئك الذين كانوا وراء محاولة الانقلاب عام 2016، هم أنفسهم الذين كانوا وراء إسقاط الطائرة، وهم أنفسهم المدعومون بشكل كبيرٍ من الأمريكان على وجه الخصوص، والمنتشرون في قطاعات مختلفة ضمن الدولة التركية، وليس في الجيش فقط، بل وأيضاً في الأروقة الدبلوماسية والأمنية وإلخ.
إسقاط سوخوي 24، لم يكن الاستفزاز التخريبي الوحيد الذي جرى في حينه، بل حدث إلى جانبه عدد هائل من محاولات الاستفزاز والتخريب، التي ربما لن يُعرف حجمها الكامل إلى بعد سنوات طويلة. ولكن الأكيد أنّ الحدثين التخريبيين الأكثر ضخامة كانا إسقاط سوخوي 24، واغتيال السفير الروسي في تركيا في نهاية 2016.
في حينه، كان من الواضح أنّ هدف كل من هذين الحدثين، هو قطع الطريق على التقارب المحتمل بين تركيا وروسيا، والذي كان لا يزال في تلك المرحلة يخطو خطواته الأولى العلنية، والذي كان ما يزال محفوفاً بالمخاطر ومفتوح الاحتمالات.
والآن؟
قطعت عملية التقارب الروسي التركي أشواطاً بعيدة، وبات من غير الممكن عكسها أو تغيير اتجاهها، ولكنّ إمكانيات التخريب والتأخير والتعطيل موجودة دائماً... ومن الواضح أنّ حجم التناغم السياسي بين تفجير إسطنبول وغارات يوم أمس، هو حجم كبير يدل على أنّ هنالك عملاً حثيثاً على جانبي الحدود، وبمختلف الوسائل، هدفه الأساسي هو تأخير معالجة أستانا للملفات الملحة الموضوعة على الطاولة.
ليس من الصعب الاستنتاج أنّ هذه الغارات ومن قبلها التفجير، يستهدفان اجتماع أستانا القادم، خاصة وأنه اجتماع جرد حسابٍ أولي لما تم تحقيقه من مقررات قمة طهران، وما ينبغي أن يتم تحقيقه خلال الأشهر القادمة.
ليس خافياً أنّ ثلاثي أستانا، بات متمركزاً على موضوعة إخراج الأمريكان من سورية، وعلى موضوعة تسوية العلاقات السورية التركية، وكذلك على موضوعة إيجاد استقرار حقيقي على أساس حل سياسي في سورية، بغض النظر قبل الغرب بذلك أم رفض.
هذه المصالح بمجموعها هي بالضد تماماً من المصلحة الأمريكية التي عبّر عنها جيفري منذ أيامٍ بطريقته المعتادة، بالقول: إننا (أي الأمريكان) موجودون بـ 900 جندي فقط، ودون خسائر، نلعب دوراً كبيراً. ويعود ليشرح هذا الدور بالقول: إنّ أفضل نصر ممكن حالياً هو استمرار الوضع على ما هو عليه... أي أنه يُعبر مرة أخرى عن سياسة المستنقع بعد تعديلها وحصرها في مهمة إبقاء الأزمة، وإنْ لم تكن مستنقعاً للروس، ولكن ينبغي ألا تكون هنالك فرصة لنصر استراتيجي عبر الحل، للروس، أو الإيرانيين، أو الأتراك، أو السوريين بطبيعة الحال...
كيف ستكون النتائج؟
النتائج المباشرة هي أنّ ضحايا جدداً قد سفكت دماؤهم في سورية وفي تركيا. عسكرياً، لن يكون هنالك أي معنى لما جرى من غارات أو تفجيرات. وسياسياً، فإنّ النتيجة الوحيدة هي محاولة إحداث بعض البلبلة في اجتماع أستانا القادم، بغرض تأخير عملية الوصول إلى النتائج المرجوة عبر إعطاء الذرائع اللازمة للمتشددين من كل الأطراف، الذين يقفون في وجه عملية تسوية شاملة، وضمناً إعطاء الذرائع للمتشددين في تركيا وفي سورية، الذين يعملون ضد الوساطة الإيرانية الروسية الهادفة لتسوية العلاقات السورية التركية، بما يسمح بكسر الحصار على سورية، وبتأمين الشروط المادية الفعلية لإعادة إعمار حقيقية، ولعودة لاجئين حقيقية...
المؤسف، أنّ دماء الضحايا على الجانبين، ستجري محاولة الاتجار بها سياسياً، ضد مصالح الضحايا أنفسهم، وضد مصالح أوطانهم، خلال الأيام القليلة القادمة، وذلك عبر الخطابات السياسية الحربجية، التي ستحاول تدمير أية إمكانية للسير قدماً بالاستناد إلى الدم... وهذا بلا شك سيؤدي إلى تأخير إضافي، وإلى دم إضافي، ولكن سياسات كهذه لن تصمد طويلاً، خاصة وأنّ تجارب التخريب عبر عشر سنوات، قد علمت الأطراف المعادية للغرب أنّ أهم رد على التخريب هو رفع مستوى التفاهم والتنسيق...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1097