هل يفيد إنكار وباء الكوليرا في سورية بمكافحته؟!
أ.د أ.د

هل يفيد إنكار وباء الكوليرا في سورية بمكافحته؟!

نقلت صحيفة تشرين المحلية الرسمية السورية، بتاريخ الأحد 13 تشرين الثاني الجاري، عن مدير مشفى المواساة الدكتور عصام الأمين تصريحه بأنّه «لا يمكن القول: إنّ سورية دخلت في حالة وباء، لأنه لكي يحصل ذلك يجب أن يكون عدد إصابات السكان أكثر من 1% بالمئة من السكان»، معتبراً أنّ هناك «تضخيماً كبيراً» لواقع انتشار الكوليرا في البلاد! بالمقابل، كانت دائرة الإعلام والعلاقات العامة في وزارة الصحة السورية قد نشرت رسمياً وصراحةً مستعملة تعبير «وباء الكوليرا» في سورية أكثر من مرة.

في التصريح المذكور نفسه للدكتور مدير مشفى المواساة، قال: إنّ إصابات «الكوليرا» جاءت من مناطق «خارج سيطرة الحكومة السورية»، وأنّ «مصدر الإصابات الأولى كان شمالي حلب وشرق الفرات، وظهرت إصابات بسيطة جداً في بعض المدن السورية، لا تتجاوز عدد الأصابع لأناس انتقلوا من تلك المناطق»، مضيفاً أنّ «هناك زيادة وانتشاراً، ولكن لم نصل إلى المرحلة التي تتحدث عنها الصحة العالمية، فالحالات تعد محدودة الانتشار ومتسطحة التطور» بحسب وصفه.
بالطبع من المفروغ منه أنّ عدد الإصابات الحقيقية بأي مرض أو وباء لا يتطابق مع عدد الحالات المكتشفة والمسجّلة رسمياً، بل يكون أقلّ، وكلّما ضعفت قدرة البلد المعني على التشخيص والترصّد كلمّا قلّ الرقم المسجّل عن الرقم الحقيقي. فما بالك في بلدنا الذي تقول وزارة الصحة السورية نفسها في أكثر من اجتماع داخلي، أو مع «جهات خارجية» أممية وإغاثية، بأنّ الواقع صعب بما في ذلك بسبب العقوبات والحصار وإلخ... بل وحتى الدكتور مدير المشفى الحكومي، الذي أنكر وجود وباء الكوليرا، ذكر في سياق تصريحه تأثير «الحصار الشديد الذي يعانيه البلد». أفلا يؤثر ذلك على اكتشاف الحالات الحقيقية أيضاً؟!
وبغض النظر هنا عن أنّ جزءاً من تكرار ذكر «العوامل الخارجية» للمشكلات فقط، يأتي في سياق محاولة التقليل من الإهمال والأسباب الداخلية المسؤولة عن الوضع ،وعدم إيجاد الحلول الجذرية اللازمة، لكن لا داعي لكثير من النقاش حول إذا ما كان هناك وباء أم لا، بل نكتفي على سبيل المثال لا الحصر، بأنّ وزارة الصحة السورية نفسها وفي خبر رسمي على قناتها على تلغرام نشرت بتاريخ 17 أيلول 2022 بمناسبة «ترأس وزير الصحة الدكتور حسن محمد الغباش لاجتماع عمل مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة في الشأن الصحي لمناقشة الاستجابة الصحية الطارئة للكوليرا»- نشرت ما يلي حرفياً: «لفت الوزير الغباش إلى أنه تم تحديد الخطة التشغيلية الوطنية للسيطرة على وباء الكوليرا» ونكرر ونشدّد الاقتباس على لسان وزارة الصحة رسمياً: إنّه «وباء الكوليرا»!!
وليست المسألة أن تعترف وزارة الصحة بالوباء أم لا، بل واقع الوباء ملموس يراه السوريون بأم أعينهم ويشعرون بأعراضه، نعتقد أنّه لا داعي للخوض أكثر من ذلك بـ«فتاوى» حول ذلك. بل ما يجب انتقاده والسؤال عنه هو: هل هناك محاولة «للتراجع» عن تشخيص واقع الوباء؟ ولماذا؟ وهذا السؤال مهم جداً لأنه كما يعرف الجميع فإنّ نيّة معالجة مشكلة بالحجم الذي تستحقه إنما تنطلق أولاً من الاعتراف بتشخيصها بالحجم الذي تستحقه.
لا شكّ بأنّ السوريّين الحريصين على البلاد وصحّة سكانها لا يمكن إلا أنْ يفرحوا بالطبع لو كان الواقع أفضل، ولو كان أيّ مرضٍ أو فقر أقلّ انتشاراً، وكنا لنفرح بالتأكيد لو كانت مناعة السوريّين أفضل وهم الذين يتفشى بينهم الفقر والجوع والمرض وقلّة مقوّمات الحياة و«الصمود» ويفتك بهم جسدياً ونفسياً الإهمال الحكومي المريع في تأمين الطاقة والدفء والخبز والغذاء والكهرباء والدواء والماء النظيف! أيْ تأمين الحدود الدنيا لمنع انتشار الأوبئة والأمراض حقاً، أو التخفيف منها على الأقل- لو كان الأمر كذلك، نعم والله كنّا لنفرح وكنّا لننتقد من يشوّه الصورة. لكن الواقع ليس كذلك.
ثمّ هل يتفق الأطباء والخبراء عموماً على تعريف المسؤول الصحّي السوري للوباء بأنه يشترط إصابة نسبة 1% حتى يعتبر كذلك؟ وهل عدد الإصابات المكتشفة (أو المسجّلة رسمياً) تمثّل جميع الإصابات حقاً في ظل واقع هشاشة القطاع الصحي والأزمة التي تعيشها البلاد، حتى يُعوَّل على الأرقام المسجّلة لوحدها؟! ولنا بتجربة وباء الكورونا مثال غير بعيد.
وفي التصريح نفسه لـ«تشرين»، الأحد 13 تشرين الثاني 2022، اعتبر الدكتور الأمين: أنّ «المنظمات التابعة للأمم المتحدة ضخّمت الواقع بشكل كبير». ليست المسألة هنا أنّ منظّمات الأمم المتحدة الحالية، اعتباراً من مجلس الأمن وصولاً إلى الوكالات المعنية باللاجئين وحتى الصحة العالمية، لا يمكن أنْ تحاول أحياناً تسييس بعض القضايا سلبياً، وذلك تحديداً على قدر ما يكون هناك نفوذ وتأثير غربي فيها، كما يحدث مع سورية وغيرها من البلدان بما يخص مثلاً: المتاجرة بقضايا اللاجئين أحياناً. هذا بشكل عام، ولكن ما يثير الأسف، ويستدعي الانتقاد هنا من باب الحرص البنّاء على صحّة السوريين، هو فتح المجال للإنكار غير المبرَّر لحقيقة وجود وباء الكوليرا والذي يتفشى بالفعل، وسبق أنْ اعترفت بوجوده وزارة الصحة رسمياً.

تصريحات رسمية لا تعرف أحدث الإحصاءات الرسمية؟!

مما يؤسف له أيضاً أنّ صحيفة «تشرين» الرسمية، عندما نقلت التصريحات المذكورة في تقريرها المؤرخ نشره على موقعها الرسمي يوم الأحد 13 تشرين الثاني 2022 إما أنها تأخرت بالنشر فصارت أرقام المصرّحين قديمة، أو أنها لم تنتبه على ما يبدو أو تقارن الأرقام التي أخذتها من مسؤولين صحيين مع أحدث الأرقام الوبائية المنشورة رسمياً من وزارة الصحة نفسها قبل يوم من النشر!
حيث نقلت «تشرين»- في التاريخ المذكور وبتقرير إنكار وباء الكوليرا نفسه- نقلت عن مدير الأمراض السارية في وزارة الصحة، د. زهير السهوي تصريحه لها بأرقام عن حصيلة أعداد إصابات الكوليرا في سورية، دون أي تعليق على تناقضها الواضح مع ما نشرته وزارة الصحة رسمياً في اليوم السابق مباشرةً السبت 12 تشرين الثاني 2022.
فبحسب ما نقلت «تشرين» عن الدكتور السهوي: «العدد الكلي للمصابين هو 1100 إصابة وعن عدد الوفيات، نقلت «تشرين» يومها عن السهوي: «هناك 46 مصاباً توفوا بالكوليرا بسبب التأخر بالمشورة الطبية، وتوزعت الوفيات ما بين: حلب 39، الحسكة 4 ودير الزور 2 ودمشق 1 وهي لطفل من دير الزور تم تشخيص الحالة في محافظته ونقل إلى دمشق».
أما نشرة «تحديث عن الوضع الوبائي حول مرض الكوليرا في سورية» الصادرة رسمياً عن وزارة الصحة في دمشق، مساء السبت 12 تشرين الثاني 2022 فذكرت بأنّ (العدد الإجمالي التراكمي) للإصابات المثبتة 1351 توزعت كما يلي: حلب 811 دير الزور 217 الحسكة 84 اللاذقية 70 الرقة 52 السويداء 26 حماه 26 حمص 24 دمشق 17 طرطوس 8 ريف دمشق 8 درعا 5 القنيطرة 3. وبحسب النشرة الوزارية نفسها لذلك اليوم بلغ (العدد الإجمالي التراكمي) للوفيات 49 وفاة توزعت كما يلي: حلب 40 الحسكة 4 دير الزور 2 حمص 1 حماه 1 دمشق 1.
وأخيراً، نذكر أنّ تحديث وزارة الصحة الرسمي «الوضع الوبائي» لمرض الكوليرا في سورية المنشور مساء السبت 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، ذكر أنّ العدد التراكمي للإصابات المؤكدة المسجلة وصل إلى 1456، والوفيات التراكمية ما زالت عند 49 وفاة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1097