حول «سوء الفهم» بين سورية وتركيا؟!

حول «سوء الفهم» بين سورية وتركيا؟!

خلال زيارته لدمشق يوم السبت الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان: «إنّ إيران تتفهم المخاوف التركية، ولكنها تعارض أي عمل عسكري في سورية»، وأضاف: «نحاول حلّ سوء الفهم بين سورية وتركيا عبر الطرق الدبلوماسية والحوار».. وفي الطرف المقابل، فإنّ البيان الصادر عن الرئاسة السورية حول الزيارة، حمل الصياغات المعتادة بما يتعلق بتركيا وبالموقف منها.

ما الجديد؟

يشير استخدام الوزير الإيراني لتعبير «سوء الفهم» إلى مسعىً إيراني متجدد، ولكن بسوية أعلى، باتجاه الدفع للوصول إلى توافقٍ ينهي حالة العداء القائمة بين تركيا وسورية. وقد يختصر البعض المسألة، ويبني موقفه منها، على أنها محاولة إيرانية للوصول إلى صيغةٍ لـ«تطبيع العلاقات» بين النظامين التركي والسوري، ولكن جوهر الأمر هو بالتأكيد أعمق وأبعد من ذلك.
قبل كل شيء، فليس خافياً على أحد أنّ قسماً مهماً من الجهود التي بُذلت خلال السنوات القليلة الماضية تحت مسمى تطبيع العلاقات بين الأنظمة العربية والنظام السوري، وبشكل خاص الإمارات والأردن والبحرين، كان لها دائماً حاملٌ محددٌ مرتبط بتصور أمريكي شامل يخص المنطقة؛ بكلام أوضح، فإنّ البازار الخاص بعقوبات قيصر وبشعار «تغيير سلوك النظام»، كان يتضمن دائماً أفكاراً محددة حول انتقال سورية، وإزاحتها بشكل كامل من ضفة إلى ضفة، ومن معسكر إلى معسكر، ليس بما يخص إيران فحسب، بل وبما يخص روسيا أيضاً... ووصولاً حتى إلى «آمالٍ» معينة بالوصول إلى اقتلاع سورية من تموضعها التاريخي بما يخص القضية الفلسطينية، أي بوضوح، محاولة دفعها نحو تطبيعٍ مع الكيان.
ولذا، يمكن أنْ تحمل هذه المسألة تفسيراً جزئياً للمسعى الإيراني؛ أي العمل على تأمين مخرج لسورية من الابتزاز الغربي باستخدام منظومة أستانا، وبالاستناد إلى الوصول إلى «تفاهم» ما بين أنقرة ودمشق، خاصة وأنّ الحدود السورية الأطول هي مع تركيا، وأنّ الوصول إلى تفاهمات ضمن إطار أستانا، من شأنه أن يحول قدرة العقوبات على تطويق سورية وقتلها، إلى قدرة ضعيفة للغاية... (على سبيل المثال لا الحصر: إنّ الوصول إلى تفاهمات ضمن إطار أستانا سيسمح بفتح طرق نقل المحروقات، بل والكهرباء أيضاً، عن غير الطريق المرسوم غربياً، والذي يحمل اليوم عنواناً بين عدة عناوين هو ما يسمى «خط الغاز العربي»، والذي لا مستقبل له حتى بالمعنى الاقتصادي الصرف، سوى أنه أداة سياسية وجيوسياسية غريبة، أكثر من أيّ شيء آخر).

أبعادٌ أوسعُ للمسألة

من المفهوم، أنّ حجم المشكلة مع تركيا هو حجم كبيرٌ، ربما أهم مفردة من مفرداته هي الاعتداءات التركية المستمرة على الشمال السوري، ناهيك عن الوجود العسكري الذي لا بد من إنهائه بالتوازي مع إنهاء كل وجود أجنبي في سورية، وغيرها من الخلافات التاريخية والمستجدة، وبينها ملفات شديدة الأهمية، مثل: المياه على سبيل المثال لا الحصر؛ لكن ما لا شك فيه أيضاً، هو أنّ الوقت طال أم قصر فإنه سيصل بسورية وتركيا في لحظة ما نحو استعادة شكل من أشكال العلاقة الطبيعة بين دولتين متجاورتين، ولهما مصالح مشتركة عديدة، الأمر الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال تشبيهه بوضع الكيان الصهيوني، والذي ليس هنالك أي مجال لأي نوع من «التجاور الطبيعي» معه، لأنّه هو نفسه ليس طبيعياً.
الأساس الموضوعي الذي يسمح بالتنبؤ بأنّ لحظة ما قادمة ضمن السنوات القادمة سيتم الوصول فيها إلى حالة ما من «التجاور الطبيعي»، هو بالضبط التوازن الدولي الجديد الذي تجري على أساسه إعادة تكوين كامل الفضاء الدولي والفضاءات الإقليمية، والذي تشكل ضمنه إيران وتركيا وسورية، وبغض النظر عن التنافسات الإقليمية، كلاً واحداً ضمن مشروع أوسع يحمل الفائدة لهذه الدول جميعها، بل ومعها أيضاً العراق والسعودية وغيرها من الدول، ضمن مشروع أساسي من مشاريع العالم الجديد، ونقصد المشروع المركب من الحزام والطريق والأوراسي.

أستانا

إذا تركنا جانباً الأبعاد الاستراتيجية للمسألة، وركزنا على الجانب الجاري منها؛ فإنّه بات أكثر وضوحاً منذ الجولة الأخيرة للجنة الدستورية، وما رافقها من حديث عن نقل مكان عملها، أنّ جوهر المسألة أكبر من موضوع المكان... جوهر المسألة، هو ضرورة نقل مركز ثقل حل المسألة السورية على أساس القرار 2254 من الثقب الأسود بين الغرب والشرق (والمتمثل رمزياً في جنيف، والتي باتت غرباً بشكل أكثر وضوحاً مع الأزمة الأوكرانية)، باتجاه الشرق، وبالملموس، باتجاه أستانا كمسار وليس بالضرورة كمكان.
أي أنّ ما قلناه مراراً عن أنّ الغرب لا يريد تطبيق القرار، ولا يريد الوصول إلى حل، وأنه لا بد من تطبيق القرار وتطبيق الحل بغض النظر عن إرادة الغرب، وحتى عن اشتراكه أو عدم اشتراكه، بات اليوم أكثر قرباً من التطبيق الفعلي؛ فكما وافق الغرب نفاقاً على اتفاقات مينسك وعطّل تنفيذها، كذلك وافق على 2254 وعطّل تنفيذه. وكما فرض الواقع طريقة معينة لتنفيذ مينسك، فكذلك سيفرض طريقة أخرى لتنفيذ 2254.
قد يرى البعض المسألة ضمن حدود مسعى إيراني منفرد، بأغراض إيرانية منفردة... ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، وأغلب الظن أنه ليس كذلك في الجوهر، لأنّ العمل الروسي في الاتجاه نفسه واضح منذ سنوات، إلا أنّ ما يفرض الشكل الذي تتبلور فيه أيّ مساعٍ لأية دولة، ليس رغباتها فقط، بل إمكاناتها، والإمكانات الواقعية التي يقدمها الواقع المعني بكل تشابكاته الدولية والإقليمية...
بهذا المعنى، إنّ الدفع باتجاه إيجاد تفاهمات، حتى ولو جزئية، ضمن إطار أستانا، تفتح الباب نحو وضع جديد، وتنهي الابتزاز الغربي، من شأنه أن يغير إحداثيات المسألة ككل، ويقربها خطوة إضافية من الحل الشامل المتناسب مع مصلحة السوريين ومع التوازنات الدولية الجديدة.

الإرادة السياسية

المؤكد في المسألة، أنّ هذا المسعى وغيره من المساعي التي تصب في المحصلة بإيقاف الكارثة، لن يتحول إلى واقع ملموس دون بدء عملية التغيير الجذري في سورية نفسها، عبر البدء الفعلي للحل وفق 2254؛ لأنّ ما بات أكثر من واضح، هو أنّ هيمنة تجار الحرب والمتشددين والمتسلطين المرتبطين في نهاية المطاف بالغرب، لا تتناسب مع أيّ توجهٍ مستقلٍ يضع حداً لعملية تدمير سورية الممنهجة، ويضعها على طريق العودة نحو الحياة...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1077
آخر تعديل على الإثنين, 04 تموز/يوليو 2022 21:59