افتتاحية قاسيون 1075: مخاطر كبرى وأكبرها الوقت!
تتواصل منذ أكثر من شهر، التصريحات التركية عن احتمال عدوانٍ جديد على الشمال السوري، تحت مسمى «عملية عسكرية». ورغم أنّ جملة من الترتيبات المستجدة، واجتماع أستانا الأخير، قد خفّضت هذا الاحتمال بشكل ملحوظ، إلا أنّه ما يزال قائماً.
إنّ تصفير هذا الاحتمال بشكل كامل، لا يمكن أن يتم دون إنهاء الأساس الموضوعي له ولغيره من احتمالات عودة اشتعال أية منطقة من الخارطة السورية، أي بإنهاء الأزمة من أساسها عبر الحل السياسي الشامل.
ولكن إلى حينه، فإنّه من الواجب، إضافة للعمل باتجاه الحل الشامل، أن يتم تكثيف التقارب بين القوى الوطنية السورية باتجاه الحل، وباتجاه تأريض احتمالات التصعيد على السواء، وكذا الاستفادة من مسار أستانا، والذي رغم التناقضات بين أقطابه، إلّا أنه أثبت بالتجربة أنه قادر على تطويق خلافاته مهما كبرت، والوصول إلى توافقات، وذلك بالتحديد لأنه مسار يعبر عن تكوينة من تكوينات النظام العالمي الجديد- قيد التشكل.
وإذا كان التراجع الملحوظ لاحتمالات العدوان بعد اجتماع أستانا الأخير، قد خلّف شيئاً من الارتياح المفهوم، فإنّه لا ينبغي أن يتحول إلى تخدير اتجاه الأخطار المستمرة والمتعاظمة، ليس على الصعيد العسكري فحسب، بل على مختلف الصعد؛ فليس «تمزيق الأمر الواقع» الخطرَ الوحيد القائم، وإنما هنالك جملة أخطار تؤدي المؤدى التمزيقي والتفتيتي نفسه، وإنْ بوسائل مختلفة...
ابتداءً بعمليات التجريف المستمرة للشعب السوري من أرضه، بما في ذلك تجريف الشباب والكفاءات، ومروراً بالتردي المستمر للأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، والتي وصلت حداً كارثياً من السوء، ليس التعتيم الكامل للكهرباء الذي جرى منذ أيام سوى أحد مؤشراته.
بالتوازي، تستمر السياسات الاقتصادية الاجتماعية المنحازة لا للتجار فحسب، بل ولأصناف محددة منهم؛ أي لتجار الحروب والأزمات بأشكال نشاطاتهم السوداء المختلفة، والتي لا تتورع عن الاستثمار بالأزمات العالمية القائمة لتعظيم أرباحها، حرفياً على حساب لحم وعظم الشعب السوري...
وهذه السياسات التي قد يفسرها البعض بالجشع والفساد وإلى ما هنالك، لا يمكن في الحقيقة تفسيرها بهذه الجوانب فحسب، فهي من حيث النتيجة تصب في عملية تمزيق البلاد عبر تحويلها إلى جزر صغيرة معزولة تقريباً عن بعضها البعض بالمعنى الاقتصادي؛ فالغلاء الفاحش في المواصلات والكهرباء، كفيلان وحدهما برفع تكاليف كل العملية الاقتصادية، ابتداء من الإنتاج ووصولاً إلى الاستهلاك، ما يعني تضييق دائرتها بشكل كبير، بحيث تتحول البلد إلى مجموعة مناطق صغيرة متجاورة، تعيش كل منها تقريباً حياة شبه منفصلة عن المناطق الأخرى، بما يشابه الوضع أيام الإقطاع.
إذا كانت صورة المشهد السوري الداخلي قاتمة كل القتامة، فإنّ الاتجاهات الأساسية للوضع الدولي معاكسة تماماً، وتسير باتجاه تفتيت المنظومة العالمية القديمة برأسها الغربي، والتي لا تعدو أنظمة منطقتنا أن تكون امتداداً له.
ولكن بين صورة الحاضر الداخلي القاتمة، وصورة المستقبل العالمي الواعدة والطموحة، فإنّ عامل الوقت هو العامل الأشد تأثيراً؛ إذ لا يلعب الوقت لمصلحة سورية والسوريين؛ فكل تأخير إضافي في المضي نحو الحل، يعني اقتراباً أكبر من نقطة اللاعودة في عمليات التفتيت والتمزيق...
ولذا فإنّ الدفع باتجاه الحل عبر تنفيذ كامل للقرار 2254، وبالاستفادة من أستانا، وبالعمل المشترك من الوطنيين السوريين، وإضافة إلى أنه إمكانية واقعية، فهو ضرورة وطنية وجودية لسورية... أرضاً وشعباً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1075