«مجلس حقوق الإنسان» التابع... للولايات المتحدة
في أيّار 2021، عقد مجلس حقوق الإنسان دورة استثنائية للنظر في وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتبنى قراراً تم بموجبه- من بين أمور أخرى- إنشاء «لجنة تحقيق دولية مستقلة مستمرة للتحقيق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وداخل «إسرائيل» وجميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي سبقت 13 نيسان 2021 ووقعت منذ هذا التاريخ». وتم تكليف اللجنة «بتقديم قرار سنوي ابتداء من شهر حزيران وأيلول 2022 تباعاً».
تقرير اللجنة الأول– حزيران 2022
في 7 حزيران، أصدرت اللجنة تقريرها الأول، والذي نوهت في بدايته إلى رفض «إسرائيل» للجنة ورفض التعاون معها، مشيراً إلى عدة أمور من بينها: «عدم تعاون حكومة «إسرائيل» ورفضها السماح بدخول «إسرائيل» والإذن بالوصل إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، على الرغم من رغبة دولة فلسطين في السماح للجنة بالزيارة».
في القسم المتعلق بالقانون الواجب تطبيقه في عملها، خلصت اللجنة إلى أن كلاً من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي وفق نظام روما الأساسي والقانون الدولي العرفي هي القوانين التي يجب تطبيقها ضمن اختصاصها. ويشير التقرير في النقاش- حول انطباق هذه القوانين- إلى أن «الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وغزة، والجولان السوري المحتل يخضعان حالياً لاحتلال حربي من جانب «إسرائيل»، وهو احتلال ينطبق عليه القانون الدولي الإنساني». كما أشار التقرير إلى أن اللجنة «ترى أن دولة فلسطين تشمل الضفة الغربية... وكل القدس الشرقية، وقطاع غزة، وترى اللجنة كذلك أن «إسرائيل» لا تزال تحتل جميع هذه الأراضي احتلالاً حربياً، ومن ثم فهي الجهة الرئيسية المسؤولة داخل هذه الأراضي، إلى جانب الجولان السوري المحتل».
ووفق بيان صحفي حول التقرير، فإن «استمرار الاحتلال «الإسرائيلي» للأرض الفلسطينية والتمييز ضد الفلسطينيين هما السببان الجذريان الكامنان وراء التوترات المتكررة، وعدم الاستقرار وإطالة أمد النزاع في المنطقة». ورأت اللجنة «أن التهجير القسري والتهديد به، وأعمال الهدم وبناء المستوطنات وتوسيعها والعنف من قبل المستوطنين، والحصار المفروض على قطاع غزة، كلها عوامل مؤدية إلى تكرار دوّامات العنف».
وفي هذا الصدد، صرحت نافانيثيم بيلاي، رئيسة اللجنة، أن «النتائج والتوصيات الخاصة بالأسباب الجذرية توجهت بأغلبيتها إلى «إسرائيل»، وهذا مؤشر على الطبيعة غير المتكافئة للنزاع، وواقع دولة محتلة لدولة أخرى»، وأضافت أن عدم تنفيذ التوصيات التي قدمتها لجان التحقيق وبعثات تقصي الحقائق السابقة وغيرها من آليات الأمم المتحدة «بالإضافة إلى بيئة الإفلات من العقاب، هما دليلان قاطعان أن «إسرائيل» لا تنوى إنهاء الاحتلال، بالإضافة إلى التمييز المستمر ضد الفلسطينيين في صلب تكرار الانتهاكات الممنهج في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي «إسرائيل»».
وعلق أعضاء اللجنة الآخرين حول نتائج التقرير، حيث قال ميلون كوثاري، أن «إنهاء الاحتلال وحده يسمح للعالم بعكس مسار الظلم عبر التاريخ والتقدم نحو تقرير الشعب الفلسطيني لمصيره»، وأضاف كريس سيدوتي أنه «من الواضح أن «إسرائيل» لا تنوي إنهاء الاحتلال إذ أنها وضعت سياسات واضحة لضمان السيطرة الدائمة والكاملة على الأرض الفلسطينية المحتلة. وتشمل تلك السياسات تغيير التركيبة الديموغرافية لهذه الأراضي من خلال الإبقاء على بيئة تقمع الفلسطينيين، وبالمقابل إرساء بيئة مؤاتية للمستوطنين «الإسرائيليين»».
الجنون الأمريكي الغربي اتجاه التقرير واللجنة
أثار التقرير موجة من الاستياء والنقد والهجمات من مجموعة من الدول، وبالطبع بقيادة أمريكية، حيث اعتاد البعض على سياسة غض النظر عن جرائم الكيان، وعدم التكلم عنها بهذا الشكل العلني لعقود، بالأخص من قبل المنظومة الدولية. حيث قامت وزارة الخارجية الأمريكية بإصدار بيان صحفي في ذات اليوم الذي نشرت اللجنة فيه تقريرها، تطعن فيه بعمل اللجنة وتتهمها بالانحياز، وعارضت فيه «بشدة الطبيعة المفتوحة والمحددة بشكل غامض للجنة التحقيق... والتي تمثل نهجاً متحيزاً أحادي الجانب لا يعمل أي شيء لتعزيز فرص السلام». وادعت الخارجية من خلال بيانها أن ««إسرائيل» هي الدولة الوحيدة الخاضعة لجدول أعمال دائم في مجلس حقوق الإنسان، وقد حظيت بتركيز غير متناسب في مجلس حقوق الإنسان مقارنة بأوضاع حقوق الإنسان في أماكن أخرى من العالم»، وإن اللجنة «بشكلها الحالي هو استمرار لنمط طويل الأمد من الانتقائية ضد «إسرائيل» بشكل غير عادل».
في اليوم التالي أصدرت وزارة الخارجية البريطانية بياناً مقتضباً حول التقرير عارضت فيه أيضاً ما اعتبرته «الطبيعة المفتوحة للجنة التحقيق... وولايتها المحددة بغموض» وأشارت أن هناك «تركيزاً غير متناسب على «إسرائيل»».
بعد بضعة أيام وبقيادة أمريكية، وقعت 22 دولة على بيان مشترك سلمته البعثة الأمريكية في جنيف إلى مجلس حقوق الإنسان، ونص البيان على أن «طبيعة لجنة التحقيق التي أُنشئت في أيار الماضي هي دليل إضافي على التركيز غير المتناسب الذي حظيت به «إسرائيل» منذ فترة طويلة في المجلس ويجب أن تتوقف» وعبرت فيه هذه الدول عن قلقها إزاء «الولاية المفتوحة» للجنة.
مقارنة بسيطة وسريعة
قبل شهرين تماماً من صدور تقرير اللجنة، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، وبجهود أمريكية تم تمرير القرار بموافقة 93 دولة. آنذاك قالت مبعوثة واشنطن إلى الأمم المتحدة، أن القرار بمثابة «رسالة قوية مفادها بأن معاناة الضحايا والناجين لن يتم تجاهلها» وأضافت أن الأمر «يتعلق بمصداقية الأمم المتحدة. الآن، العالم يتطلع إلينا؛ إنه يتساءل عمّا إذا كانت الأمم المتحدة مستعدة لمواجهة هذه اللحظة. إنه يتساءل عمّا إذا كنا منبراً للدعاية وملاذاً آمنا لمنتهكي حقوق الإنسان– أو إذا كنا مستعدين للوفاء بأسمى مُثُلنا المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة».
ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة منذ تأسيس الأمم المتحدة استخدمت حق النقض «الفيتو» عشرات المرات في قرارات تنتقد «إسرائيل»، على الأقل 53 منها منذ 1972، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.
مسمار إضافي في النعش
نقاش سلوك الولايات المتحدة وحلفائها اتجاه التقرير، ربما لن يحمل أيّ جديد للقارئ، سوى أمرين أساسيين:
الأول: هو أنه تذكير للعالم بأسره، بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها بحالٍ من الأحوال إلّا أن تكون عدواً وقحاً لشعوب العالم بأسره، ولكل قضاياه المحقة، ولشعوب منطقتنا ضمناً، وربما أكثر من عدائها لأية منطقة أخرى في العالم... وهذا ينبغي أن يبقى حاضراً عند مناقشة الوضع السوري وتعقيداته، وذلك بعيداً عن «التحليلات» العمياء التي يتحفنا بها البعض عن طبيعة تموضع الولايات المتحدة بما يخص الصراع الجاري في سورية وعليها.
الثاني: هو أنّ «المؤسسات الدولية» التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، قد انتهت صلاحيتها التاريخية بشكلها الحالي، سواء كان الكلام هو عن الأمم المتحدة، أو المجالس واللجان التابعة لها، أو عن المؤسسات الاقتصادية والمالية، مثل: صندوق النقد والبنك الدوليين، وباتت بشكل علني ومفتوح مؤسساتٍ غربية وأمريكية بالدرجة الأولى، وليست قطعاً «مؤسسات دولية»... وطريقة التعامل مع هذا التقرير، ورغم أنها ليست جديدة، إلا أنها بالشكل الذي تمت به، وضمن الظروف الدولية الراهنة، قد دقت مسماراً إضافياً في نعش «المؤسسة الدولية» بشكلها الراهن، بل وسارت بالنعش خطوة إضافية إلى القبر... بانتظار ولادة مكتملة لنظام عالمي جديد بالكامل...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1075