افتتاحية قاسيون 1058: ما وراء أوكرانيا
يحتل الوضع المتأزم هذه الأيام في أوكرانيا وحولها موقع العنوان الأول حول العالم؛ وليس هذا بمستغربٍ لأنّ الجميع على علمٍ، إلى هذه الدرجة أو تلك، بأنّ مضامين المعركة الجارية وأبعادها، أكبر بكثير من أوكرانيا نفسها، بل وتصل بنتائجها حدود الفصل بين حقبتين من التاريخ العالمي...
رغم أنّ الاحتمالات جميعها ما تزال قائمة، بما فيها احتمالات الحرب المحددة المساحة أو المفتوحة، إلا أنّ ما يمكن تثبيته حتى الآن هو الأمور التالية:
أولاً: الأزمة والصراع الجاريان، وعبر التحريض الأمريكي النشط، إنما تستهدف بالدرجة الأولى العلاقات الروسية الأوروبية، وأوكرانيا بهذا المعنى هي مجرد ذريعة ومجرد أداة.
ثانياً: أحد أهم عناوين الاستهداف هو علاقات الطاقة بين روسيا وأوروبا، وبخاصة العلاقة بين روسيا وألمانيا، والتي تشكل عاملاً مؤرقاً للأمريكان ضمن سياساتهم اتجاه أوروبا واتجاه خطوط الطاقة في العالم بأكمله.
ثالثاً: علاقات الطاقة نفسها، ليست الهدف الكامل والنهائي؛ فهذه العلاقات نفسها بين روسيا وأوروبا، باتت رمزاً وحاملاً أساسياً لخطوط التجارة الأوراسية بأسرها، ومعها «الحزام والطريق»، باعتبارهما معاً الأساس التحتي لانقلاب جيوسياسي في مجمل العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية في العالم؛ انقلابٌ يُنهي مرحلة طويلة سادت فيها ممالك أعالي البحار، وخاصة بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة، عبر تقطيعها لأوصال القوى القارية، وتقطيعها للتواصل بين القوى القارية.
رابعاً: بكلام آخر، فإنّ الولايات المتحدة تعي أنّ انطلاق عمل نورد ستريم 2، يعني إغلاق دارة «الحزام والطريق» و«الأوراسي» وبدئها بالعمل بشكل شامل ومنتظم، وهذا يعني: أنّ موضوع التوازن الدولي الجديد وموضوع تقسيم العمل الدولي الجديد، لم يعد احتمالاً يجري العمل عليه، بل حقيقة واقعة تعيد الولايات المتحدة إلى حجمها الطبيعي ما وراء الأطلسي...
خامساً: ضمن هذا المعنى، فإنّ «درجة الجنون» التي تدفع الولايات المتحدة إلى إعلان تاريخ حرب بين دولتين أخريين دون رأي ودون رغبة أي منهما، إنما تعكس حجم التأزم الأمريكي الداخلي قبل أي شيء آخر، خاصة ونحن على أعتاب ما بات متفقاً على وصفه في الأوساط الأكاديمية بأنه ليس الانهيار المالي القادم، بل انهيار النظام المالي العالمي القادم...
سادساً: إنّ حدة النزاع الجاري، بل وإلى حدٍ ما جنونه، تعكس حقيقة لا جدال فيها؛ لا مكان لروسيا في «النادي الإمبريالي العالمي»، وأية أوهام أو أحلام تدور في خلد النخب المالية في روسيا نفسها، والمتعلقة بمحاولة التفاهم مع الغرب على تحاصص جديد، تتبخر الآن أمام أعينها... ما يعني أنّ الباب بات مشرعاً أكثر فأكثر أمام مواقف أكثر تجذراً، ليس في التعامل مع الولايات المتحدة ومع التهديدات الخارجية بالنسبة لكل من روسيا والصين فحسب، بل وبالدرجة الأولى في التعامل جذرياً مع الوضع الداخلي في كلٍ منهما.
أخيراً: رغم أنّ هذه الجلبة الضخمة قد أبعدت الملف السوري مؤقتاً عن واجهة الأحداث، إلا أنها في واقع الأمور قد قربته أكثر من الحل النهائي؛ ذلك أنّ ذروة التصعيد القائمة على المستوى الدولي، تفتح الباب نحو التسويات الكبرى، وعمليات الحسم الكبرى إنْ لم تكن التسويات، والملف السوري ناضج منذ زمن للانتقال إلى طور الحل النهائي وفق 2254.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1058