افتتاحية قاسيون 1055: في تفسير 2254.. 2: القوى الحاكمة في النظام والمعارضة

افتتاحية قاسيون 1055: في تفسير 2254.. 2: القوى الحاكمة في النظام والمعارضة

استكمالاً لافتتاحية قاسيون رقم 1053 في تفسير القرار 2254 بين عقليتين، والتي كانت جزءاً أول ضمن سلسلة افتتاحيات مترابطة، نناقش هنا، في الجزء الثاني، تفسير القرار بين عقليتين محليّتين: عقلية القوى الحاكمة في النظام، وعقلية القوى الحاكمة في المعارضة، وهما عقليتان تتناولان القرار والوضع السوري بأكمله بالمنطق نفسه كمحصلة، وإن من زاويتين متقابلتين... ولعل أول التطابقات وأهمها بين هاتين العقليتين هي: عقلية «الحزب القائد» التي تهمين على التفكير والعمل في كلا الجانبين، والتي تقوم على الإقصاء والتفرد والاستئثار وادعاء التمثيل الشامل والكامل...

النظام:

تتجنب قوى التشدد في النظام قدر استطاعتها مجرد ذكر القرار 2254، وحين تذكره فإنّها تنتقي منه ما تراه مناسباً لها، وقبل كل شيء تركز على الحديث عن أنّ الحل يجب أن يكون سورياً- سورياً، وأنه لا ينبغي أن يكون هنالك تدخل أجنبي فيه، ولكنّ الممارسة العملية تدل على أنّ هذا الانتقاء ليس مقصوداً منه وضع القرار على سكته نحو التنفيذ، وليس إيقاف التدخلات الخارجية، وإنما بالضبط لاستخدام كلامٍ محقٍ في جوهره منتقى من القرار في تعطيل تنفيذ القرار نفسه؛ بما يعكس ضمنياً فهماً محدداً قائماً على أنه ليس مسموحاً أن يمر أيّ تغيير لا يقبل به النظام، وبما يؤدي إلى أنّ المطلوب كمحصلة هو ألا يتغير شيء إطلاقاً!
وهنا يحل محل أي حديث عن الحوار وعن التوافق، شيء معاكس كلياً للحل السياسي ككل، ومشتقٌ من عقلية «الحسم» التي لا تعترف بضرورات الواقع ولا تعترف بحق السوريين في التغيير، ويتحول كل حديث عن الحل السياسي إلى «مناورة اضطرارية» سيأتي وقت مناسب لإنهائها وفق تصورات من يقومون بها... وأما ما يحل في البلاد والعباد أثناء المناورة إياها، بل والاحتمالات المتعلقة بتفتيت البلاد نفسها، فليست على قائمة الأولويات.

المعارضة:

قوى التشدد في المعارضة، كانت قد رفضت القرار لحظة صدوره، ورفضت قبله بيان جنيف، لتلعب بذلك دور مرآة لقوى التشدد في النظام، واضطرت لاحقاً للاعتراف بهما أيضاً، وإنْ اختلفت التفاصيل بين الحالتين.
ورغم قبولها بالقرار، بل ومطالبتها به، فإنها ما تزال تحاول عبره استعادة شعار «الإسقاط»، أي إنها هي الأخرى تتعامل مع كون الحل سورياً- سورياً، انطلاقاً من أنّ ما تريده هو ما ينبغي أن يمر، وما هو غير ذلك فلا مكان له. وكما الأمر مع متشددي الطرف المقابل، فإنّ ما يجري للسوريين في مختلف مناطق وجودهم، ولسورية نفسها، إلى حين يأتي الحل، ليس على قائمة الأولويات.
ما نراه من تقسيم أمرٍ واقع في سورية اليوم، ليس مجرد نتيجة للصراع الدولي في سورية وعليها، بل ويعبر إلى هذه الدرجة أو تلك عن العقليات التي تحكم المتشددين، والتي لا تعرف ولا تريد الوصول إلى حلول توافقية أو حلول وسطى، وتفضل أن تحكم مساحات محددة من البلاد بالحديد والنار إن لزم الأمر، ومع استمرار النهب وتعاظمه بطبيعة الحال، على أن تدخل معركة الحوار والتوافق التي تنتهي إلى تمكن السوريين من تقرير ما يريدون حقاً ومن يريدون.

تتعارض فكرة الحل السياسي في جوهرها مع كلتا العقليتين. واستحقاق الحل، أي استحقاق إنهاء الكارثة السورية، بات مرتبطاً بإرغام المتشددين من كل الأطراف على رفع أيديهم عن عنق البلاد، والسماح للهواء بالتدفق مجدداً... وذلك عبر الدفع، وطنياً بالدرجة الأولى، نحو حوارٍ حقيقيٍ يقود إلى توافق على طريقة تطبيق القرار الدولي كاملاً، ووصولاً إلى التغيير الجذري الشامل.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1055
آخر تعديل على الأحد, 30 كانون2/يناير 2022 20:18