افتتاحية قاسيون 1053: في تفسير 2254.. 1: بين عقليتين

افتتاحية قاسيون 1053: في تفسير 2254.. 1: بين عقليتين

يستمر الصراع بين عقليتين دوليتين متمايزتين في تفسير القرار 2254 الذي مضت ست سنوات على إقراره بالإجماع في مجلس الأمن الدولي في كانون الأول 2015.
ويلعب هذا الصراع حتى الآن دوراً مهماً في تأخير تنفيذ هذا القرار، إضافة إلى عوامل أخرى عديدة إقليمية ومحلية.

تذهب العقلية الغربية في تفسير القرار، ممثلة بالأمريكان بالدرجة الأولى، نحو عادتها الثابتة خلال ما يزيد عن ثلاثة قرون مضت؛ ونقصد العقلية الاستعمارية الوصائية الاستعلائية، والتي ترى أنها صاحبة الحق النهائي في تقرير شكل الحل وتفاصيله بما في ذلك شخوصه. ولعل أبرز الأمثلة ضمن الوضع السوري على ذلك هما «لا ورقة تيلرسون» ثم «لا ورقة بومبيو» اللتان مثلتا تكراراً مختصراً لجوهر دستور بريمر، وإنْ بشكل أكثر اختصاراً وعمومية، وأيضاً هنالك المثال الواضح على طريقة التعامل الوصائي مع أقسام من المعارضة السورية، والذي وصل في بعض الحالات وبالنسبة لبعض الأقسام إلى حد التحكم بالأسماء وإملاء الأوامر. يضاف إلى ذلك الأمثلة الملموسة في العراق وأفغانستان وغيرهما، حيث لم يكتف الأمريكان بتحطيم جهاز الدولة القديم ورسم الجديد، بل وتدخلوا أيضاً باختيار شخوص ذلك الجهاز بما يتناسب مع مصالحهم.

وباختصار، فإنّ العقلية الغربية في التعاطي مع مختلف الأزمات المحلية، تتعامل مع حق الشعوب في تقرير المصير بوصفه شعاراً يلوكونه بينما يحتفظون بـ«حقهم» هم، في تقرير مصير تلك الشعوب والدول.

على الضفة المقابلة، يظهر تفسير جديد وغير مسبوق تاريخياً، هو التفسير الروسي- الصيني، والذي ينطلق بشكل أساسي من القانون الدولي، ومن فكرة سيادة الدول. ويسعى هذا النموذج، عبر تمسكه بسيادة الدول، إلى إيقاف عملية التفتيت الشاملة التي يشتغل عليها الغرب، والتي تستهدف هاتين الدولتين نفسهما في نهاية المطاف بوصفهما «الجائزة الكبرى».

هذا النوع من السلوك، ولأنه غير مسبوق تاريخياً، فإنّ هنالك صعوبات عديدة في استيعابه على حقيقته وضمن بعده الإستراتيجي، ولذا يسهل العمل الإعلامي ضده، والغربي خاصة، والذي يُصور المسألة وكأنما الاستقطاب هو (أمريكا التي تقف مع الشعوب! بمقابل روسيا والصين اللتان تقفان مع الأنظمة).

مع ذلك، فإنّ ما ينبغي أن يكون واضحاً، هو أنّ التفسير المكتمل للقرار 2254، وإنْ كان يتطلب فكرة سيادة الدولة كشرط لازم وضروري وكنقطة انطلاق لتطبيقه، إلا أنّ الأكيد هو: أنّ هذا الشرط هو شرط لازم فقط، وليس كافٍ.

الشرط الكافي هو سيادة الشعب على نفسه وعلى دولته، وهذان الأمران معاً هما حق الشعب في تقرير مصيره، ولا يمكن أن يكتمل دونهما. ويتضمنان بالضرورة حق الشعب السوري ليس فقط في السيادة على أراضيه الإقليمية وحقه في تقرير شكل النظام والسلطات الجديدة، بل وأيضاً شكل النموذج الاقتصادي الاجتماعي السياسي الجديد، والذي ليس بمقدور، وليس من حق، أي طرفٍ خارجي أن يقرره، سواء كان الأمريكان أو الروس أو السعوديون أو الأتراك أو الإيرانيون أو غيرهم...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1053
آخر تعديل على الأحد, 16 كانون2/يناير 2022 22:10