عن «نشرة الأحوال الجوية» وعن حرب السوريين مع الثلج!
ريم عيسى ريم عيسى

عن «نشرة الأحوال الجوية» وعن حرب السوريين مع الثلج!

على مدى الأسبوعين الماضيين، اجتاحت عاصفة باردة المنطقة، مما تسبب في انخفاض درجات الحرارة وسقوط كميات هائلة من الثلوج في كافة أنحاء سورية وفي الدول المجاورة. امتلأت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بالصور والأخبار عن العاصفة التي طالت تقريباً جميع المحافظات داخل سورية، وكذلك مناطق فيها تجمعات كبيرة للسوريين في دول الجوار.

كل فصل شتاء، تتكرر هذه المشاهد نفسها ضمن مسلسل الكارثة السورية، مع لقطات مختلفة لسوريين يحاولون التعاطي مع العناصر الطبيعية: البرد والرياح والأمطار والثلج. وعادة ما يكون هذا مصحوباً بمحاولة الأطراف المختلفة التركيز فقط على شريحة معينة من السوريين واستخدام ذلك لتحقيق مكاسب سياسية، ويرافق ذلك تراشق للاتهامات واللوم.
ولتحقيق ذلك، تركز الأطراف على مواضع مختلفة من البؤس السوري الواحد؛ كل طرفٍ وفقاً للرواية التي يريد إيصالها، وللمصلحة الضيقة التي تدفعه للرؤية بعين واحدة، أو حتى بنصف عين مغمضة... كذلك كان الأمر أيام القتل والاقتتال، وهو الآن أيضاً يعاد أثناء صراع السوريين في القرن الواحد والعشرين مع عناصر طبيعية سبق للإنسان أن تمكن من ترويضها قبل قرون طويلة، بينما يُحرم السوريين اليوم، وفي أغلب مناطق وجودهم من أبسط الأسلحة في وجه البرد القاتل...
حقيقة الأمر، أن السوريين في كل مكان- داخل سورية في جميع المناطق وفي دول الجوار- يعانون من هذه الظروف الصعبة، وبسبب عوامل مختلفة لها النتيجة النهائية نفسها.
سنحاول هنا تقديم عرض بانورامي لأحوال السوريين في مختلف مناطق وجودهم، في حربهم مع البرد.

داخل سورية

وفقاً لبيان صحفي صادر عن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC)، يعتبر هذا الشتاء من أبرد الشتاءات في آخر عشر سنوات، والذي يتزامن أيضاً مع وصول عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية إلى أعلى مستوياته منذ بدء الأزمة. وبحسب البيان الصحفي، تُظهر إحصائيات الأمم المتحدة أن عدد السوريين المحتاجين للمساعدات بلغ 14,6 مليون، وهو زيادة بمقدار 1,2 مليون عن عام 2021.
تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أنه في أوائل كانون الأول 2021، كان عدد السوريين الذين في حاجة للمساعدات الإنسانية 14 مليوناً، وهي زيادة بمقدار 27٪ عن عام 2020؛ بينهم 12 مليوناً في حاجة ماسة للمساعدات، والتي هي زيادة بمقدار 158٪ عن العام السابق، بما في ذلك 6,1 مليون طفلٍ (زيادة قدرها 27٪ عن العام السابق).
بعض العوامل التي تجعل الوضع أسوأ بكثير هذا العام هي: الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية، مثل: الغذاء والوقود، مع تعزز سياسات رفع الدعم وتعزز الاتجاه النيوليبرالي المتوحش، وكذلك وباء COVID-19؛ في الوقت نفسه، يتقلص تمويل القطاع الإنساني، وهو ما يمكن ربطه بالعقوبات الاقتصادية التي تعقد الاستجابة الإنسانية. تشير آخر أرقام الأمم المتحدة إلى أن 90٪ من سكان سورية يعيشون تحت خط الفقر وأن 70٪ يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء.
في شمال شرق سورية، يقدر تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في كانون الثاني 2022 أن عدد السكان في ثلاث محافظات (الحسكة والرقة ودير الزور) يبلغ 3 ملايين نسمة، منهم 1,9 مليون بحاجة للمساعدات. يتفاقم الوضع الإنساني العام في الشمال الشرقي بسبب تدهور الخدمات الطبية والصحية في المنطقة، بما في ذلك التقديرات أن نصف الأطباء قد غادروا المنطقة.
بالنظر إلى الوضع الاقتصادي في سورية، والذي تطرقت إليه مادة سابقة في قاسيون: في نهاية عام 2021، تجاوز وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد مليوني ليرة سورية، والحد الأدنى أقل دون 1,3 مليون ليرة سورية، بينما كان الحد الأدنى للأجور لا يتجاور 93000 ليرة سورية.
هناك نقص في إمداد الاقتصاد والناس بالوقود في سورية، وخاصة في مناطق سيطرة النظام، بسبب عوامل متعددة، أهمها: العقوبات الاقتصادية، والسياسات التي لا تكاد تولي أية أهمية جدية لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد، وخاصة لحل مشكلة الكهرباء، وطبعاً الفساد. وهذا يؤدي إلى ندرة الوقود وارتفاع ثمنه وتنشط السوق السوداء، وبالتالي، حتى لو كان متاحاً، فإن غالبية السوريين لا يستطيعون تحمل كلفته.
يلجأ الكثير من السوريين الآن إلى استخدام الحطب. ولكن بحسب بعض المصادر، تراوح سعر طن الحطب للتدفئة في دمشق الخريف الماضي بين 400 و600 ألف ليرة سورية وهو ما يكفي للتدفئة 20 يوماً على الأكثر. وبالتالي، تحتاج الأسرة إلى ما يقرب من طنين من الحطب للتدفئة شهرياً، ولكن حتى لو كانت تكتفي بطنّ واحد، فإنّ الحد الأدنى، أي 400 ألف، هو أكثر من أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور...

النازحون

ينتشر النازحون داخلياً في جميع أنحاء سورية، وهناك نازحون في جميع المحافظات تقريباً. تشير آخر الإحصائيات المتوفرة (حزيران 2021) إلى أن هناك 6,7 مليون نازح داخلياً في سورية.
التوزيع الدقيق للنازحين ليس واضحاً، لكن ما يقرب من 3 ملايين منهم يتواجدون في الشمال الغربي (إدلب وحلب). بالإضافة إلى ذلك، فإن الاشتباكات والأحداث، مثل تلك التي وقعت في الحسكة مؤخراً، تتسبب أحياناً في نزوح أعداد كبيرة من السكان من منطقة إلى أخرى.
في شمال غرب سورية، تشير إحصائيات المفوضية إلى وجود 2,8 مليون نازح داخلياً، وما يقرب من 1400 موقع نزوح، يقطن فيها 1,7 مليون من النازحين داخلياً في هذا الجزء من سورية. وتشير آخر التقارير إلى أن العاصفة طالت ما لا يقل عن 287 موقعاً من مواقع النازحين في إدلب وحلب، مما أدى إلى تدمير 935 خيمة وإلحاق أضرار بـ 9562 خيمة. في 26 كانون الثاني، أفادت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 59 مخيماً للنازحين قد تضررت في شمال غرب سورية، مما أثر على حياة أكثر من 88000 سوري.
في الشمال الشرقي، وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية المشار إليه أعلاه، هناك ما يقرب من 700 ألف نازح. بالإضافة إلى ذلك، وفقاً للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (ومنظمة الصحة العالمية)، فقد نزح مؤخراً 45000 شخصٍ في الحسكة بعد أحداث سجن الصناعة الأسبوع الماضي.
في هذه المنطقة من سورية، توجد خمسة مخيمات رسمية يبلغ عدد سكانها أكثر من 88000 نسمة. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف المخيمات ومناطق السكن غير الرسمية حوالي 120 ألف شخص. تشمل المخيمات الخمسة الرسمية في المنطقة مخيم الهول والذي غطته العاصفة الأخيرة بالثلوج، مما أثر على النازحين المقيمين فيه والذي يقرب عددهم من 60 ألف شخص.
وبحسب الأرقام أعلاه، فهذا يعني أن هناك أكثر من 3,5 مليون نازح في المناطق المتبقية من سورية، أو في مناطق سيطرة النظام. هؤلاء النازحون هم الأقل تغطية من قبل التقارير الرسمية والأممية، حيث إن غالبيتهم لا يقطنون في المخيمات. ومع ذلك، هناك تقارير تفيد بأن نسبة كبيرة من النازحين الذين يعيشون في منازل (أي أنهم ليسوا في المخيمات) غالباً ما يعيشون في منازل مدمرة جزئياً و/ أو في مناطق ليست مخدّمة بشكل جيد. لا توجد إحصائيات ومعلومات رسمية كافية حول هذه المجموعة، لكنهم على الأقل يواجهون المشكلات نفسها التي يواجهها معظم السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام فيما يتعلق بالاحتياجات، بما في ذلك عدم القدرة على الحصول على السلع الأساسية وضمناً الوقود والغذاء.
اللاجئون في الدول المجاورة
لا بد عند دراسة الموضوع المطروح في هذه المادة من النظر إلى وضع اللاجئين السوريين في المنطقة، لا سيما في لبنان والأردن، حيث تعيش الغالبية العظمى منهم في ظروف أسوأ بكثير من دول الجوار الأخرى. هناك ما يقرب من 5,7 مليون لاجئ سوري مسجل في المنطقة؛ بينهم ما يزيد قليلاً عن 278 ألفاً يعيشون في المخيمات. هناك أكثر من 5,5 مليون لاجئ سوري مسجل في دول الجوار (تركيا ولبنان والأردن والعراق)؛ بينهم ما يقرب من 841 ألفاً في لبنان (حيث لا توجد مخيمات رسمية) و673 ألفاً في الأردن (أكثر من 131 ألفاً من أولئك يعيشون في المخيمات).
يشير أحدث تقييم للأمم المتحدة حول هشاشة وضع اللاجئين السوريين في لبنان إلى أن معظمهم يعيش في المدن والقرى، لكن البعض منهم يعيشون في مخيمات تم إنشاؤها تلقائياً في جميع أنحاء لبنان (22٪ يعيشون في مآوٍ غير دائمة و9٪ في منشآت غير سكنية).
وبحسب التقرير، يواجه اللاجئون فصول شتاء قاسية مع درجات حرارة منخفضة جداً، وفيضانات تؤثر بشكل رئيسي على أولئك الذين يعيشون في مآوٍ غير مناسبة، وجميعها صعوبات تتفاقم بسبب الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، لا سيما وأن الكثير منهم لا يحصلون على دخل يذكر أو لا يحصلون على دخل أبداً. وتعيش أكثر من 57٪ من الأسر السورية في لبنان في مساكن إما مكتظة، وظروفها دون المعايير الإنسانية، و/ أو معرضة لخطر الانهيار.
المعلومات حول اللاجئين السوريين في دول الجوار بشكل عام غير متوفرة لعدة أسباب. أولاً: معظم الدول المجاورة إما ليست من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 أو تفرض قيوداً جغرافية على الأشخاص المؤهلين لحيازة صفة لاجئ. وبالتالي، لا يحصل اللاجئون السوريون في المنطقة على وضع اللاجئ الذي يحصلون عليه في دول أخرى، ولكن الأهم من ذلك، أن هذا يعني أن الأمم المتحدة ليست لديها إمكانية الوصول المباشر والقدرة على رصد أوضاعهم وظروفهم وكتابة التقارير الرسمية عنها، أو الحصول على إحصائيات دقيقة بنفس السوية التي تستطيع تقييم ومتابعة أوضاع اللاجئين في أماكن أخرى...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1055
آخر تعديل على الإثنين, 31 كانون2/يناير 2022 23:52