لماذا يتم إخراج الأرنب الداعشي من القبعة مجدداً؟
سعد صائب سعد صائب

لماذا يتم إخراج الأرنب الداعشي من القبعة مجدداً؟

بعد ما يزيد عن عامين من اختفاء أية عمليات كبرى لتنظيم داعش الإرهابي، عاد للظهور في عمليتين متزامنتين، في كل من العراق وسورية.
في العراق، شن التنظيم هجوماً على مقر سرية للجيش العراقي في محافظة ديالى شمال شرق بغداد، وقع ضحيته 11 جندياً عراقياً.

وفي سورية، ومنذ أربعة أيام وحتى الآن، اندلع قتالٌ قرب سجن الصناعة في الحسكة، والذي يضم ما يقدر بثلاثة آلاف مقاتل معتقل من تنظيم داعش. وليس هنالك إحصاء نهائي لقتلى داعش وضحايا قوات سورية الديمقراطية حتى الآن، لكن الأعداد كما تشير وسائل مختلفة هي بالعشرات، إضافة إلى اضطرار عدد كبير من الأسر في حي غويران وبعض الأحياء المجاورة للسجن لترك منازلهم بانتظار استقرار الأوضاع.
من غير المرجح أنّ العمليتين منفصلتان عن بعضهما البعض؛ فعدا عن القرب الجغرافي، الذي هو في الحقيقة ساحة العمليات الأساسية السابقة لداعش، فإنّ الارتباط الكبير بين الملفين العراقي والسوري بما يخص موضوع محاربة داعش هو ارتباط فعلي وكبير.

السياق

إذا حاولنا البحث عن السياق الذي جرت فيه هاتان العمليتان، بحثاً عن معانيهما واستهدافاتهما الفعلية، فإننا سنجد أنفسنا أمام جملة من الوقائع والمؤشرات:
أولاً: لا يمكن لا لهاتين العمليتين ولا لما هو أكبر منهما أن يبعثا الروح بشكل حقيقي في داعش؛ فالظرف التاريخي الذي سمح بظهور وتمدد داعش ابتداءً من بدايات 2014، لم يعد موجوداً؛ وخاصة فيما يتعلق بكثافة العناصر الدولية المختلفة التي باتت على الأرض بشكل مباشر في مواجهة داعش، وبالتحديد بعد درجة التعاون والتنسيق الذي يمر عبر ثلاثي أستانا.
ثانياً: المعطى السياسي- العسكري الذي يلعب دوراً مهماً في كيفية تطور الأمور في مناطق سيطرة داعش السابقة في كل من العراق وسورية، هو الانسحاب الأمريكي الذي بدأ فعلاً، ولكنه لم ينجز بشكل كامل بعد.
ثالثاً: ضمن النقطة نفسها، لا يمكن إهمال أنّ خروج كامل القوات الأمريكية من العراق قد حلّ أوانه، بل وتم تجاوز ذلك الأوان، وفقاً لقرار مجلس النواب العراقي. ومن المعلوم (على الأقل من وجهة النظر اللوجستية)، أنّ الوجود الأمريكي في سورية هو استطالة للوجود في العراق، ولا يمكن الاستمرار في سورية في حال الانسحاب الكامل من العراق.
رابعاً: معلوم أيضاً، أنّ الخلاف لا يزال قائماً ومحتدماً ضمن الأروقة الداخلية لصناع القرار الأمريكيين، حول آجال الانسحاب؛ فإذا كان قد بات واقعاً بالنسبة للجميع أن الانسحاب حاصل، حاصل.. فإنّه لا تزال هنالك آراء عن توقيت ذلك الانسحاب... إذ يذهب أحد الفريقين إلى ضرورة الانسحاب الفوري، بينما يرى الفريق الآخر أنه ينبغي تأجيل وتدريج الانسحاب إلى أقصى مدى ممكن (وقد يحمل التوجه الألماني «على قلة أهمية الوجود الألماني العسكري» تأجيل الخروج من العراق حتى تشرين الأول من هذا العام، بعد زيارة وزيرة الخارجية الألمانية لواشنطن منذ أيام، مؤشراً على التاريخ التقديري المخطط له لاستكمال الانسحاب الأمريكي من العراق وسورية).
خامساً: ضمن التصعيد والمفاوضات الجارية بين روسيا والولايات المتحدة، والتي تتجاوز أوكرانيا إلى نقاش مجمل التمدد العسكري الأمريكي ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فإنّ الوجود في العراق وسورية ليس خارج قوس...
سادساً: لا يمكن ضمن قراءة الهجومين الأخيرين لداعش، التغاضي عن أنّ الاتجاه العام طوال السنتين الماضيتين، وخلال الأشهر الأخيرة بشكل خاص، كان اتجاهاً ثابتاً، المعطى الأساسي فيه هو التصاعد المتسارع لاستهداف الوجود العسكري الأمريكي في كل من سورية والعراق، وليس من قبل داعش بالتأكيد.

هذه المؤشرات بمجملها، يمكن أن تؤشر على الأهداف الآنية من إخراج الأرنب الداعشي من قبعة الساحر الأمريكي، والتي نعتقد أنه يمكن تكثيفها بالتالي:
أولاً: استخدام الهجومين كأداة في الصراع الداخلي الأمريكي لمصلحة أصحاب الرأي القائل بضرورة تأجيل الانسحاب من كل من العراق وسورية.
ثانياً: استخدام الهجومين كأداة في التفاوض الأمريكي الروسي حول إعادة «الحدود العسكرية» إلى ما كانت عليه قبل 1991.
ثالثاً: استخدام الهجومين للضغط على «الحلفاء» الأوربيين، لثنيهم عن الاتجاه المتصاعد بينهم، والداعي للخروج العسكري من كل من العراق وسورية.
رابعاً: استخدام الهجومين كأداة في الضغط على السلطات العراقية، وباتجاه انتزاع تنازلٍ يعطي قدراً ما من «الشرعية» لتمديد وجود ما تبقى من القوات الأمريكية على الأرض العراقية.
خامساً: استخدام الهجومين للضغط على قوات سورية الديمقراطية والتلويح في وجهها، في محاولة لضبط تطور علاقاتها بموسكو، ولمحاولة ضبط الآفاق المستقبلية لانخراطها ومشاركتها في مناقشة الشأن السوري العام، بما فيه الحل السياسي الجامع والموحد لسورية وللسوريين.

وإذا صح أنّ الاستهداف الأمريكي من بث نفسٍ مؤقتٍ من الروح في داعش ينحصر في البنود السابقة أو في بعضها، فإنّ من المحتمل فعلاً أن تتمكن واشنطن من تحقيق بعض من هذه البنود بشكل مؤقت. ولكن من جهة أخرى، فإنّ هذه البنود نفسها هي جزء من خطة العمل الأساسية للأمريكان مما قبل الهجومين، ولذا فإنهما يحملان معنى إضافياً، هو أنّ استمرار العمل بالخطة نفسها لم يعد ممكناً دون قدر غير قليل من «الدراما» بل وحتى «التراجيديا» الدموية.
المؤكد أيضاً، هو أنّ الاتجاه العام لا يزال ثابتاً، وفحواه هو: الانسحاب الأمريكي الشامل من كل من العراق وسورية، وضمن آجال لا يزيدها التصعيد في منطقتنا وفي العالم ككل، إلا قرباً!

 

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1054
آخر تعديل على الإثنين, 24 كانون2/يناير 2022 16:32