قوى الفساد والأزمة السورية: روميو وجولييت

قوى الفساد والأزمة السورية: روميو وجولييت

إذا كانت الأسباب السياسية– بمختلف جوانبها- التي أفضت إلى انفجار اجتماعي قبل ثماني سنوات في سورية، وانتهت إلى أزمة سياسية وحرب ولّدتها وقادتها مختلف الأطراف محلياً وإقليمياً ودولياً، فإن أسبابها لم تُحل، وعلى العكس: تفاقمت ونشأ وتراكم غيرها الكثير في أثناء الحرب وبعدها وصولاً لليوم...

وإذا كانت الأزمة السياسية- العسكرية السابقة قد وصلت إلى ذاك الحد الذي يُهدد وجود الدولة السورية ومؤسساتها من قِبل المجموعات الإرهابية المدعومة من الخارج وجرى تجاوزها، فإن الظروف الاقتصادية- الاجتماعية اليوم، عِبر تخادم العقوبات الاقتصادية الخارجية مع منظومة الفساد الداخلية، تنذر من جديد بالتهديد نفسه، وبالتأكيد أيضاً: تُنذر هذه الأوضاع بالتالي بانفجار اجتماعي وسياسي آخر.

«الصمود»
هذه المفردة يعرفها جيداً كل مواطن سوري، ويعي أبعادها، فيما يمكن رصد مزاج الشعب حولها في الشارع، أو على مواقع التواصل الاجتماعي كمنصّة تعبير محدودة. فلا يوجد خلفها سوى قوى الفساد المهيمنة والمستفيدة منها ومن قدرة السوريين على «الصمود»، إلا أنه وكما يقول المثل الشعبي «كل شي زاد عن حدّه، قلب لضدّه». فسنوات الحرب وحدها و«بصمود» السوريين فيها شاهدوا «حديثي النعمة» من طرفيّ الصراع، وتنبّهوا على «تكاثر ثروة» أغنياء هؤلاء الأطراف وتمركزها أكثر، خلف شعارات الطرفين من «تصدٍّ وحرّية وصمود» و«بيع للوطنيات». تصدّي طرفٍ لآخر، وحرّية تجارة وسمسرة طرفٍ عن آخر، وصمود من طرفٍ بوجه آخر، وما كان لشعبنا منها سوى أنه وقودٌ وسلعة اتُّجر بها لمصلحة هذا وذاك من الداخل والخارج.
«سيادة الدولة السورية»
جُملة أُخرى تتاجر فيها قوى الفساد من الطرفين، تَعني ما تعنيه من «سيادة أموالهم» بوجه أيّ مضاربٍ فقط، وأما «سيادة الدولة» كما نعرفها ويعرفها الشعب السوري، فأولئك أوّل من انتهكها وما زال ينتهكها على طول الخط، فكما يقال: «المصاري ما بتعرف أصل» ينطبق على أموال قوى الفساد هنا وهناك ممن تُشكل سيادة الدولة السورية واستقلالها بما تعنيه الكلمة حقاً– ليس كما يقصدوه هم ويروجون له- يقطع عنهم «رزقهم»، وهذا بالتأكيد ما نريده ويريده كل السوريين، حفاظاً وحرصاً على سيادة بلادنا واستقرارها.
أزمة موارد ومحروقات؟
مع تأزم الوضع المعيشي بشكل جديد على إثر العقوبات الخارجية وتوافقها مع مصالح قوى الفساد الداخلية، صدحت تلك العبارات السابقة نفسها– ونأخذها مثالاً من عديدٍ غيرها- من «صمود» و«سيادة» عبر مختلف المنابر، مُعبّرة في الحقيقة عن سعادة تلك القوى بهذا الواقع الجديد لما يدرّ لهم من «ثروة» جديدة، غير متنبّهين، ربما، وغير مكترثين بالتأكيد، بأن أزمات معيشية كهذه في ظل ظروف البلاد الحالية تُهدد دولتنا بـ«الفشل» وتضعها بخطر الانهيار... من هنا تتعارض مصالح هذه القوى مع أيّة جهة أخرى تسعى لحلحلة هذه الأزمة وإيجاد مخارج لها. فكما كان لدخول الجانب الروسي وقبله الإيراني عسكرياً– انطلاقاً من مصالحه- قبل عدة سنين تأثيراً إيجابياً حال دون «انهيار الدولة»، وعرقل مصالح «تجّار الحرب» في حينه، فإن مساعيه اليوم بطرح مقترحات واتفاقيات تجارية واقتصادية تمثّل مخرجاً للدولة السورية من معابر لا تمسّها «عقوبات الدولار» وتذلل مخاطر «فشلها»، يضرّ بمصالح القوى الفاسدة تلك لتقوم– انطلاقاً من مصالحها- بالهجوم على الروس والإيرانيين بشكل غير رسمي وغير مباشر بطبيعة الحال، بأنهم «يشترون» و«يحتلون» اقتصاد«نا»!... أم اقتصاد«هم»؟
الانفجار التالي
بناء على ما تحدثنا حوله في المقدمة، فإن بقاء أسباب الانفجار الاجتماعي السابق، وتفاقمها ونشوء غيرها الكثير، ومستوى الاحتقان الملحوظ اليوم، يُنذر بانفجار آخر قد لا يكون ببعيد، ولن يكون بالشكل السابق نفسه، قد يتخذ أيّ شكلٍ كان، وقد تكون له تداعيات عديدة مؤثرة سلباً على شكل التسوية السياسية، بخلق اضطراب اجتماعي أمني قد ترغب به القوى المتشددة، وتدفع باتجاهه، لتستخدمه كذريعة في مواجهة التغيير. إنّ حلّ الأزمة السورية على مختلف الصُّعد يتطلب البدء بالتغيير بتلازم المهام الوطنية والاقتصادية-الاجتماعية والسياسية، وهذه الأخيرة لا يمكن العمل عليها في الظرف الراهن دون انطلاق الحل السياسي رسمياً وسريعاً وفق القرار الدولي 2254.

معلومات إضافية

العدد رقم:
910