(خطوة خطوة) في حقل إدلب الملغّم
أكّدت الدول الضامنة في اجتماع أستانة الأخير، على فكرة مفادها: أنّ عملية التسوية في إدلب لن تتم سوى خطوة بخطوة، ولن تتم سوى بعمل عسكري، ولكنه سيكون مختلفاً..
فلا يمكن في إدلب أن يتم حل المسألة كما الغوطة ودرعا، كما أنها بالتأكيد لن تكون مشابهة لعملية «تحرير» الرقة التي حدثت على يد التحالف الدولي. وعلى أية حال، فإنّ ملف إدلب من أهم الملفات المطروحة على طاولة الحل اليوم ومن أكثرها صعوبة.
حيث تأتي أهمية التسوية في إدلب من عدة نقاط أساسية، فإنهاء وجود جبهة النصرة في إدلب يعني بتر الذراع الأمريكية الصافية الأخيرة المتبقية في سورية، وبالتالي فإنّ القضاء على النصرة لن يكون محرقةً للتواجد الإرهابي في إدلب وحسب، بل سيتعداه إلى حرق ورقة جدّية يمتلكها الأمريكي ويستخدمها لإدامة التوتير العسكري والمماطلة بالوصول إلى تسوية سياسية في سورية. إضافةً إلى أنّ إطالة أمد الأزمة في إدلب قد يتم الاستفادة منها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في عملية التوتير الروسي- التركي على اعتبار أنهما ضمن الدول الأساسية الضامنة المسؤولة عن حل هذا الملف.
وبالتالي، تبرز أمامنا العديد من التحدّيات في وجه إيجاد سبيل للخلاص من هذا الملف، حيث تشكّل تركيا سلاحاً ذا حدّين في هذه العملية، فمن جهة لا يمكن بطبيعة الحال فكّ العقدة في إدلب بدون تواسط تركي، ولكن من جهة ثانية فلا يمكن التغاضي عن وجود أطراف تركية تسعى لتسويف الحل وذلك بضغط أمريكي، وبالتالي وضع حدّ للتحسّن الذي يطرأ على العلاقات الروسية- التركية عبر إدلب، وبالتالي زرع لغم على طريق التسوية، وهذا ما يتم العمل على إيجاد حلٍّ له عبر المنظومة الإقليمية الجديدة «الترويكا».
اللغم الثاني الذي يمكن استخدامه وتفجيره، هو: مسألة وجود أعداد كبيرة من المدنيين في إدلب، وبالتالي إمكانية استخدامهم كدروع بشرية، وما ينجم عن ذلك من مخاطر وعرقلات من قبيل: موجات لجوء، ملف الكيماوي، وتدخلات غربية كحدوث ضربات عشوائية وغيرها...
لذلك، ونظراً لكمّ التعقيدات والمخاطر المحيطة بعملية التسوية تلك، تمّ اللجوء إلى فكرة الحل «خطوة بخطوة» في حقل الألغام، وهو ما كان يجري سابقاً، كأفضل خيار للحيلولة دون حدوث تبعاتٍ، والوصول إلى تسوية نهائية للوضع في إدلب. وهذا ما يفسّر عملياً كلّ هذا الوقت الذي استغرقته هذه المسألة، إذ إنّ إزالة كل لغم على حدة تحتاج وقتاً، بدءاً من عملية استمالة الجانب الروسي للأتراك من أجل إقناعهم بضرورة إنهاء حالة النصرة في إدلب، مروراً بفضح مسرحيات الكيماوي التي يجري التحضير لها في إدلب، وقبل أن تقع أحياناً، وذلك من خلال التصريحات الروسية التي تصدر بين الحين والآخر بما تتضمنه من دلائل، وتحديد مواقع وإحداثيات لحدوث مثل هذه الهجمات، الأمر الذي كان يخفي وراءه إفشال هذه العمليات قبل حدوثها. إضافة إلى التحذير من استخدام ملف اللاجئين والسعي لحدوث معركة دقيقة ومحدّدة تستهدف النصرة في ظل وجود هذا العدد الكبير من السكّان المدنيين. وأخيراً، تضاف المشاهد الأخيرة من إدلب والتي حدثت في الأسبوع الماضي، حيث إن تفجيراً في إدلب استطاع على الأقل أن يحيّد قيادة جبهة النصرة.. الأمر الذي سيحمل تداعيات على موقف هؤلاء وقدرتهم على التجاوب مع (المقاومة) المطلوبة منهم أمريكياً.
إنّ عملية الإسراع في إنهاء النصرة في إدلب ستحدث تغيّراً كبيراً بموازين القوى المحلية، مما سيفتح الباب واسعاً للبدء بالعملية السياسية، فعندها لن يكون لأحد حجّة بتأجيل العمل السياسي لحين القضاء على الإرهاب.