المحامي محمد عصام زغلول المحامي محمد عصام زغلول

نقابة المحامين.. ومعتقلو المحامين!

كثرت الاعتقالات بين صفوف المحامين في الآونة الأخيرة، وازدادت أعدادهم، فمنهم من قضى مدته، ومنهم من ينتظر، وقد بـُدّلوا تبديلاً!

والجدير بالذكر أن معظم تلك الاعتقالات إنما تتم بمنأى عن لوائح القانون، بل وتعتبر من أسوأ خروقات الدستور والقوانين المرعية، فاعتقال زملائنا المحامين إنما وقع دون مذكرات توقيف أو أذون قضائية أو حتى إعلام للنقابة كما ينص القانون!

واحد اعتقل من بيته، وآخر من مكتبه، ثالث اقتنص من الشارع، هذا كان معه أوراقه، وذاك سجلاته، ومن لم يحمل معه حاسوبه عادوا ليعتقلوه هو أيضاً، فقد تكون فيه كلمة أو مقالة في كنهها سر الجريمة!

والخرق بذاته إنما يعده البعض بسيطاً أمام الخروقات العديدة التي تحدث على أرض الواقع، ولكن إن تأملنا هنيهة، فإننا نجد ذلك من أخطر ما قد يقع، فهو فضلاً عن تجاوزه للقوانين ولأعراف المحامين والحقوقيين فإنه يعتبر فضيحة أمنية، اجتماعية، إنسانية!

فكيف قد يأمن المواطن على نفسه إن رأى حماة القانون، والمدافعين عن الحقوق ليسوا بمعزل عن الاعتقال، بل ليس واحدهم بمأمن من وقوعه فريسة لتجاوز أو خرق للقانون يأمر به رجل أمن، وليس بكفء لمراعاة أدنى حقوقه الإنسانية حتى في أسلوب الاعتقال!

والتاريخ إنما يذكرنا دائماً بنفسه من خلال تكراره لجزئيات دون جزئيات، فحوادث اعتقال المحامين ليست بجديدة، بل يعيدها التاريخ مرة تلو الأخرى، لكن ذات التاريخ يأبى أن يكرر جزئية هامة، لتبقى وحيدة دون مثيل!

واسمحوا لي أن أنقل لحضراتكم جزئية ناصعة قد تمسح بنقائها كل سلبية مرت، وهي قرار نقابة المحامين بدمشق رقم 17 تاريخ 28/1/1954 والذي ينص على:

 (إن مجلس نقابة المحامين بدمشق وبعد اطلاعه على العريضة المقدمة من أكثرية محامي نقابة دمشق الساحقة ونصها:

إن اعتقال رجالات البلاد وبينهم عدد من الزملاء المحامين، والإجراءات الشديدة التي أوقعتها السلطات بالطلاب وفئات الشعب الأخرى، والاعتقالات غير القانونية، والأعمال الشاذة المنكرة المرتكبة ضد الطلاب في حمص.. قد تركت أعمق الأثر في نفوسنا، لذلك فنحن الموقعين أدناه، إذ نعرب عن رأينا بإقامة حكم ديمقراطي سليم، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإنزال أشد العقوبات بالمعتدين المسؤولين، نطلب من مجلس النقابة تبليغ احتجاجنا للمراجع المسؤولة، وإلى سائر الجهات العربية الدولية، ونفوضه في إعلان الإضراب العام.

وبعد أن تبين أن عدد الأساتذة المحامين الذين اعتقلوا قد بلغ نحواً من عشرة محامين من نقابة دمشق وحدها، وبعد أن حقق مجلس النقابة بالذات عن الكيفية التي تم فيها اعتقال فريق من المحامين ليلة الثامن والعشرين من كانون الثاني، فاتضح له أنه تم بشكل يخالف أبسط القواعد الأصلية والمبادئ الأساسية في الحقوق العامة والخاصة.

كما اتضح له أيضاً أن الاعتقال وقع بشكل يؤلف جرماً معاقباً عليه بصراحة المادة 557 من قانون العقوبات، لا بل بشكل يخالف المبادئ الدولية التي أقرها صك حقوق الإنسان، وحتى نص المادة الحادية عشرة من دستور 10- تموز- 1953م.

التي تقضي بأن تكون المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في حالة الجرم المشهود، أو بإذن من صاحبها، أو بموجب أمر قضائي.

ولما كان اعتقال فريق من الأساتذة المحامين قد تم بعد منتصف ليل السابع والعشرين من كانون الثاني 1954 بعد أن خلعت أبواب بيوت حماة القانون وخدام العدالة، دون أن يبلغوا أي أمر قضائي.

ولما كان المحامون يرون من واجباتهم الأساسية أن يحملوا لواء الدفاع عن الحريات العامة إلى جانب واجبهم في الدفاع عن حقوق الأفراد.

وكانت الاعتقالات الأخيرة التي وقعت سواء أكانت تستهدف الأساتذة الزملاء أم كبار رجالات البلاد الذين قضوا حياتهم الطويلة في خدمة الأمة وأمانيها، إنما تمت على شكل يخالف القانون.

ولما كانت هذه التصرفات التي صدرت عن السلطات القائمة تدعو المحامين لأن يعلنوا احتجاجهم عليها.

لذلك فإن مجلس نقابة المحامين في دمشق يقرر:

أولاً: إعلان الإضراب العام وتحديد موعده يوم السبت في الثلاثين من كانون الثاني 1954.

ثانياً: إعلان الاحتجاج على التصرفات التي وقعت خلال الاعتقالات التي تمت في يومي 27 و28 كانون الثاني 1954.

ثالثاً: إعلان هذا القرار على باب القصر العدلي ونشره في الصحف وتبليغه إلى ممثلي النقابة في المحافظات للعمل به.

قراراً صدر في الثامن والعشرين من كانون الثاني سنة 1954

النقيب ظافر القاسمي).

إنا لنعذر نقابة محامي اليوم، فلعل نقابة محامي الأمس لم تكن مؤطرة بالمادة الثامنة من الدستور وملحقاتها، ولم تكن مأسورة بالقيود والنشاطات الرسمية، ولم يكن مشترطاً عليها أن توالي النظام دون الشعب، ولا المسؤولين دون المواطنين، ولا الأمن دون الحرية.

لكننا اليوم وتحت وطأة تلك الاعتقالات لزملائنا المحامين، وفي ظل تلك الخروقات للقانون، لا نطلب من نقابة المحامين ممثلة بمجالسها المنتخبة إلا أن تكون عند حسن ظن أعضائها الذين انتخبوها بها، أو أن يمارس كل عضو فيها دوره مع المحامين المعتقلين كما يؤدي دوره مع موكل موقوف قد اخترقت حريته، أو دهست إنسانيته!

إن نقابة المحامين اليوم كقدوة لكل النقابات، لابد أن تمارس دورها، وأن توقف كل ما من شأنه تعطيل الحياة الدستورية والقانونية التي تنتهكها بعض الجهات، وأن تفرض تطبيق القانون بحروفه وحدوده، وإلا فهي ليست بمعزل هي الأخرى عن الإصلاح والتغيير.

الحرية لكل زملائنا المعتقلين، والحرية لكل شباب الوطن الوطنيين!

آخر تعديل على الأربعاء, 12 تشرين1/أكتوير 2016 14:03