الموضوعات.. ورأس المال المالي
التفسير الصحيح يفضي ويؤدي إلى التغيير.. هذا ما تؤكده الماركسية اللينينية التي كانت دائماً نظرية للتغيير الثوري للمجتمع، وهي لا بدّ أن تستند إلى تفسير صحيح له لإنجاز مهمتها.. هذا بعض ما تضمنه مشروع الموضوعات البرنامجية حول المرجعية الفكرية، ولكي يكون التفسير صحيحاً ليعطي مقدمات التغيير لا بد من تفسير وتحليل الظواهر الجديدة في المجتمع، وهنا أريد الإشارة إلى نقطة هامة تحدث في سورية تأثراً بما يجري عالمياً..
لا شكّ أن قطاع المصارف والتأمين (المال)، أصبح أحد أهم ركائز تطور الرأسمالية، والذي يعصف في بلادنا بنموذجه الليبرالي، فلغاية عام 2003 كانت لدينا ستة مصارف حكومية (قطاع عام) تسيطر على السوق المصرفية السورية، ولكن سرعان ما بدأت المصارف الخاصة بغزو السوق المحلية استناداً إلى قوانين أقرها مجلس الشعب:
القانون رقم /28/ لعام 2001 الخاص بتأسيس المصارف الخاصة.
القانون رقم /35/ لعام 205 الخاص بتأسيس المصارف الإسلامية.
وكانت حصة الرأسمال الأجنبي والعربي في هذه المصارف تبلغ /49%/ والرأسمال المحلي /51%/ والحد الأدنى لرأسمال هذه المصارف وصل إلى /3/ مليار ل.س.
وفي جلسة مجلس الشعب المنعقدة بتاريخ 30/12/2009 ناقش المجلس إجراء تعديلات على النظام المصرفي (القطاع الخاص) تضمن رفع الحد الأدنى لرأسمال المصارف الخاصة من /3/ مليار إلى /10/ مليار ل.س، كذلك السماح بأن تكون حصة الرأسمال الأجنبي والعربي في المصارف العاملة في سورية /60%/ و/75%/ من رأسمال المصرف بدلاً من /49%/، فتشكلت اليوم الصورة التالية في البلاد: هناك /15/ مصرفاً خاصاً وإسلامياً، و/14/ شركة للتأمين، وعدد من شركات الصرافة، كما أصبح للمضاربين بورصتهم.. والحقيقة أن كل ذلك يساهم جدلياً في زيادة الطابع الاحتكاري للقطاع الخاص على حساب القطاع العام، وهي بمجملها معطيات وأرقام خطيرة قد تبدو لأول وهلة مجرد أرقام اقتصادية بسيطة، لكنها تحمل في طياتها مدلولات سياسية خطيرة، فالسياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد كما قال لينين.
إن هذه الأرقام البسيطة المعقدة تؤدي في الخلاصة إلى معادلة واحدة من حيث الجوهر: طريقان كلاهما أسود، وأحلاهما مر.
الأول: إن هذه الأرقام هي تشريعات صدرت لجعل قطاع المصارف تحت إدارة وتحكم برجوازية مصرفية (مالية) نتيجة إعطائها كل مقومات حياتها من قوانين وتشريعات تسهّل حركتها، وإعطائها وزناً نوعياً في البلاد من خلال سيطرتها على قطاع المصارف بشكل تدريجي. والأرقام السابقة (3 مليار ـ 10 مليار) وزيادة عدد المصارف الخاصة وشركات التأمين والصرافة دليل على ذلك، أي أن هناك خطوات باتجاه تشكيل رأس مال مالي في البلاد.
فأولاً وأخيراً هذا الرأسمال له انتماء واحد وهو الرأسمال المالي العالمي ـ أخطر رأسمال على وجه الأرض لأنه صهيوني ورموزه قادة الصهيونية الفعليون أمثال آل روتشليد الصيرفي التاريخي، ومادوف مؤسس أسهم النازداك في وول ستريت قلعة الرأسمالية (الإمبريالية) العالمية اليوم.
ثانياً: الطريق الثاني هو السماح للرأسمال المالي العالمي بالنشاط في البلاد، والأرقام السابقة (49%،60%، 75%) تدل على ذلك بشكل حتمي عبر زيادة حصصها في المصارف الخاصة بشكل تدريجي، وهذا أخطر من الأول، فبمجرد الإطلاع على نشاط هذا الرأسمال على الصعيد العالمي تتضح لنا برامجه وأهدافه الطبقية والعدوانية، وتجربة النمور الآسيوية مثال صغير على نشاطهم التدميري عندما يتطلب الأمر، فقد قاموا بغزو النمور الآسيوية عبر بنوك جورج سوروس أحد كبار ممثلي الرأسمال المالي العالمي الصهيوني الذي أفرغ تجربة النمور من كل محتوى إيجابي.
إن كلا الطريقين، الأول والثاني، يؤديان «إلى روما»، ولكن يختلف طول الطريق (شكله)، لكنهما في الأخير هما طريق واحد من حيث الجوهر، وفي هذا السياق أنا أتفق مع ما جاء في مشروع الموضوعات البرنامجية البند /22/ من القضية الاقتصادية ـ الاجتماعية حول النموذج البديل للتطور الاقتصادي، الذي يؤمن أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية، لأنه سيتحول إلى نموذج ورافعة ونقطة جذب في النضال العام للشعوب العربية وكل شعوب الشرق العظيم، أي أنه سيكون كما قال رفيقنا خالد بكداش (النضال ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية).. هذا النموذج سيؤمن احتكار قطاع المصارف للقطاع العام بعيداً عن النشاط الأخطبوطي للرأسمال المالي العالمي (الصهيوني)، وهذا هو طريق التطور الذي لا بد أننا سنختاره لأننا بأمس الحاجة إليه.