تدمير دفاعات البلاد.. خيانة وطنية
ضجيج الدماء يتعالى، ومستوى العنف بلغ حداً أقرب إلى الجنون، تفجيرات يومية، اعتداءات على البنى التحتية ولقمة العيش، قرى و أحياء أصبح وجودها على الخريطة السورية مهدداً. ورغم كل ذلك، لا يزال الحل السياسي الشامل يحافظ على خطواته المتثاقلة التي تصطدم يومياً بعشرات العوائق، ذلك أن مستوى العنف الحالي، غير المسبوق، يؤشر إلى استنفاده أية وسيلة للاستمرار.. وفي النهاية يصبح الحديث عن حل نهائي للأزمة السورية حديثاً واقعياً. ويصبح لزاماً على الجميع الكف عن طرح السؤال : «متى تنتهي؟؟» واستبداله بالسؤال : «كيف تنتهي؟»..
الفوضى الشاملة هي بيت القصيد في خطط الإدارات الأمريكية المتعاقبة، القديمة منها والجديدة، ومهما اختلفت التسميات يبقى الهدف ثابتاً في الحدث السوري: توظيف الدعم الخليجي-التركي كبديل عن التكلفة العالية للتدخل العسكري المباشر، الذي تعثّر بسبب الموقف الروسي- الصيني. توظيفه باتجاه استدامة العنف والفوضى في سورية، وليس باتجاه انتصار أحد الطرفين على الآخر، فالمقصود إضعاف دور سورية الاقليمي في الصراع بين الشعوب العربية والمشاريع الغربية والعدو الصهيوني.
سوق للموت
إذا ما سنراه هو قتل وتخريب وفوضى وتعطش متزايد للدماء.. فقد أصبحت البلاد سوقاً للموت، وحلّت قيم الثأر المقيتة بدلاً عن قيم الحرية والديمقراطية المنشودة، ودُفعت الأموال وجندت أجهزة المخابرات الغربية والخليجية بمن يلزم لرفد سوق الموت هذا بما فيه من بضاعة..
ولم تعد المعركة معركة مطالب شعب، بل أمست تستهدف ضرب تركيبة بأكملها، تركيبة لا يمثل الشعب إلا واحداً من طرفيها«دولة- شعب». ومن ناحية أخرى، لن تكون هذه المعركة بالسهلة أبداً، حيث يواجه الجيش السوري عشرات الآلاف في حلب ودمشق وريفيهما وبقية المدن السورية، قدرت بأكثر من 70 ألف مقاتل، مدعومين بالأموال والدعم العسكري واللوجستي من الخارج، بهدف ضرب جهاز الدولة السورية، وتجريده من كل سبل المقاومة. ولكي يحصل ذلك لا بد من تفعيل الانقسام العمودي في البلاد، و إذكاء نيران الطائفية البغيضة، والعمل على استنزاف قدرة ودور الجيش السوري بمناوشات يومية و ضربات مدروسة، وإشعال المناطق الحدودية.
استهداف دفاعاتنا
وتنبغي الإشارة إلى الاستهداف الدائم لمراكز القوة الاستراتيجية للجيش السوري، والتي لم تشارك أبداً في أي مواجهات عسكرية أو قمع للمتظاهرين، بل هي تختصّ فقط في الدفاع عن البلاد من أي عدوان خارجي عسكري، كبر أو صغر. فقد قامت بعض مجموعات المعارضة المسلّحة باستهداف محطات الدفاع الجوي في الآونة الأخيرة، وتعمدت تخريب الكبائن الالكترونية للمحطات لكي تصبح عديمة الفعاليّة، كما حدث قبل أيام عند استهداف محطة الاستطلاع الجوي في قاعدة «مرج السلطان» الجوية للحوامات في ريف دمشق الشرقي من قبل مئات المسلحين، من جميع الجهات، بمدافع الهاون وقذائف الأر بي جي والرشاشات ، وتمكنوا من تدمير الرادارين الكبيرين اللذين يشكّلان المحطة لتصبح المنطقة الجنوبية كلها، من شمال دمشق وحتى الحدود الأردنية والجولان «عمياء» تماما إزاء أي هدف إسرائيلي، أو غير إسرائيلي، يقترب من المنطقة. كما نشطت تلك المجموعات في ملاحقة الطواقم الفنية لتلك المحطات، وتصفية كبار مهندسيها كالشهيد اللواء «نبيل زغيب» المسؤول عن برنامج تطوير الصواريخ، على سبيل المثال لا الحصر..
ناهيك عن حوادث تدمير محطات توليد الكهرباء في حماه وحمص، واستهداف مصافي النفط ومحطات التكرير وأنابيب الغاز في دير الزور، إضافة إلى تخريب معامل السماد والاسمنت، وسرقة صوامع الحبوب، كما حدث مؤخراً في محافظة الحسكة..
لا يمكن أن تمثّل كل تلك الجرائم تطلعات الشعب السوري ومطالبه العادلة، ولن يعيد مرتكبوها هؤلاء ما اُستلب من حقوق وحريات. بل هي ببساطة استبداد من نوع آخر، يشبه سابقه، قد يدفع بالبلاد إلى دوامة العنف المرير الذي لا بد أن يسقطه الشعب السوري وإن طال الزمن، ويفرض النموذج الحقيقي لعملية التغيير التي تعبر عن مصالحه هو لا مصالح قوى اقليمية ودولية.