لم تفعلها أية عاصمة عربية متورطة
أعلنت نيكاراغوا تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع «إسرائيل» احتجاجاً على مهاجمتها أسطول الحرية.
أعلنت نيكاراغوا تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع «إسرائيل» احتجاجاً على مهاجمتها أسطول الحرية.
لم تكن العملية الإجرامية الوحشية التي قامت بها قوات العدو الصهيوني فجر يوم الاثنين 31 مايو/أيار، خارج المألوف في السياسة والسلوك الذي انطلقت منه الحركة الصهيونية وهي تغزو أرض فلسطين العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
أسطول الحرية: من رد الفعل إلى المبادرة
بعد تحضيرات دامت أسابيع طويلة، وضمن ذهنية أرادت الانتقال من رد الفعل والشجب والإدانة إلى خوض غمار العمل المباشر صاحب العزيمة والتصميم المدرك للأثمان المحتملة، انطلقت سفن أسطول الحرية الست مساء 29 مايو 2010 من موانئ مختلفة حاملةً على ظهرها أكثر من 600 ناشط سياسي وحقوقي وإعلامي عقدوا العزم على كسر الحصار غير الشرعي عن قطاع غزة، وفي جعبتهم عشرة آلاف طن من التجهيزات والمساعدات، الشخصيات جاءت من 50 دولة مختلفةً منها البرلمانيون ومنها رجال دين أمثال الشيخ الفلسطيني رائد صلاح والمطران السوري هيلاريون كابوتشي، وإلى جانبهم وقف صحفيون ومؤرخون، حيث اعتبر هذا الحشد الكبير أكبر تحالف دولي يتشكل ضد الحصار المفروض على غزة منذ بدايته في 2007.
الفرص القليلة أو النادرة، التي أتيحت لجماهير دويلات «سايكس بيكو» لتعبر عن انتمائها الوطني بالمعنى العابر للحدود غير التاريخية، أثبتت فيها بالقول والفعل أنها تملك من الحماس والغضب والصدق والثقة والحميّة وسعة الأفق والاستعداد للتضحية ما يفوق كل شعارات أصحاب الشعارات، الذين هم أنفسهم من يلجمون هذه الجماهير، ويضللونها، ويؤرّضون فورتها، ويغرقونها بالفقر والتخلّف والعدمية، وييئّسونها، ويمنعونها من الانخراط الكامل والفعّال في المعارك والتحديات الوطنية..
غزة المحاصرة تنتصر.. إسرائيل المحاصِرة تنهزم.. وإذا كانت الأعمال بالنتائج، فالغارة الإسرائيلية على أسطول الحرية كانت نتيجتها هزيمة للمعتدين على كل الأصعدة:
إطلاق أسطول الحرية، والاعتداء العسكري الصهيوني عليه هو، في نهاية المطاف، جزء من الصراع في المنطقة، وعليها، بين إرادات الشعوب ومطامع قوى الهيمنة والاستعمار، وإن أية نظرة تجتزئ مسألة الأسطول خارج سياقها، ستحولها إلى مجرد «زوبعة في فنجان»، خدمةً لمصالح المعتدين وأنصارهم، وخلافاً للغايات المبتغاة من مخططي وداعمي تحرير غزة، كجزء وخطوة نوعية باتجاه حل القضية الفلسطينية، على أساس فرض إملاءات الشعوب، هذه المرة، على الكيان الغاصب، وليس العكس كما هي العادة حتى اليوم.
إذا حُسبت نسبة الذين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي من متضامني أسطول الحرية لفاقت نسبة الكثير من المعارك الضارية، لكنها معركة بين من سلاحهم قيم التضامن الإنساني من جهة، وجنود مدججين بالسلاح من جهة أخرى، ويمثلون مختلف الأسلحة الإسرائيلية، بما فيها سلاح الطيران.
كان الإعلان عما سمي «استراتيجية أمريكية جديدة» أصدرها الرئيس الأمريكي فرصة – لفترة قصيرة – مارس فيها المتشبثون بالحذاء الأمريكي الطبل والزمر والرقص والتبشير بالايجابيات التي سوف تعود على العرب والعالم.
عندما غنى المطرب الشعبي المصري «شعبولا» أغنيته «أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى» كان يعتقد أن الأمين العام للجامعة العربية يمثله في مقاومة الكيان الصهيوني، يوم فقد الشارع المصري ثقته بالقيادة المصرية الرسمية التي لم تعرف إلاّ تقديم التنازل تلو الآخر أمام التحالف الإمبريالي- الصهيوني على حساب كرامة مصر وشعبها ودورها التاريخي في الصراع العربي- الصهيوني!
تستمر الاستعدادات لتسيير قافلة الحرية الثانية، وفي هذا وعي وإدراك عميقان للنتائج التاريخية التي حققتها القافلة الأولى.. فالمعركة ضد الكيان الصهيوني ومن يدعمه، انتقلت عملياً إلى الشارع الذي جاء هذه المرة بحراً، وأي شارع؟ إنه شارع القوى الجماهيرية العالمية المناهضة للإمبريالية والصهيونية، والتي تبتدع وسائل جديدة وجديدة في المواجهة الجارية... وفي كل مكان.