د.أسامة دليقان
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تسيطر على الفكر اليوم الأحكام المسبقة حول إمكانيات واتجاهات التطور الفردي والاجتماعي لأفراد بأعينهم أو لأمم بعينها، والتي تشترك بها مثلاً، بشكل أو بآخر، البروباغاندات الاستعمارية، والاستشراقية، والعنصرية، والأورومركزية. وسنحاول هنا الإضاءة على نظرية تطور الشخصية الفردية والاجتماعية من بوابة علم التربية وعلم النفس الاجتماعي، بلمحة عن الأفكار المفتاحية التي طورها في هذا السياق عالم النفس والتربية السوفييتي ليف فيغوتسكي (1896 – 1934).
اتسمت الأزمة السورية على مدى سنة من عمرها حتى الآن بصراع النظام السياسي القديم مع الحركة الشعبية الجديدة، بين نظام مستمر بنفس العقلية القديمة التي مضى زمانها، في تعامله مع الشعب وكأنه قطعات عسكرية تتلقى الأوامر من قيادتها، وبين حركة شعبية وليدة محقة في مطالبها، ولكنها تفتقر إلى الخبرة السياسية ما جعلها عرضة لأخطاء ومطبات شتى.
‹‹إننا نمر بمرحلة ثورة وطنية ديمقراطية معاصرة تندمج فيها المهام الاجتماعية الجذرية اندماجاً وثيقاً مع المهام الوطنية العامة ومع المهام الديمقراطية. وهذا يؤكد أن فضاءً سياسياً جديداً يولد وآخر يموت، فالجماهير كانت ولا تزال هي القوة المحركة لكل الانتفاضات في التاريخ، والمعركة في النهاية هي ضد الامبريالية والصهيونية وضد الطبقات الحاملة لبرامجها الاقتصادية والاجتماعية في بلدان الأطراف.››
هذا التوصيف للمرحلة التاريخية الانعطافية التي يمر بها العالم ومن ضمنه بلدنا سورية ورد في البلاغ الصادر عن اجتماع مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين (حزب الإرادة الشعبية) بتاريخ 25 شباط 2011, ونذكّر به الآن لأنه ما يزال صحيحاً, حتى بعد عام من الأزمة.
وعندما يتوصل التحليل العلمي إلى أنّ طبيعة الأزمة الثورية التي يمرّ بها العالم اليوم هي ذات جذر اقتصادي في جوهرها يتعلق باستنفاد النموذج الرأسمالي لإمكانية استمراره, بما يعني انسداد الأفق التاريخي أمامه, لمصلحة انفتاح الأفق أمام الشعوب, فإنّ هذا يعني أيضاً أنّ الأشكال السياسية القائمة تمر أيضاً في أزمة, إذا تذكرنا أنّ السياسة بالتعريف الماركسي ما هي إلا تكثيف لعلاقات الإنتاج الاقتصادية.
يتعامل الكثير من «المثقفين» و«السياسيين» مع مفهوم القمع من منظور أخلاقي بحت، وبكلام آخر فإنهم يتعاملون معه من منظور غير علمي، ولهم في ذلك أسبابهم التي تتدرج من البساطة والسذاجة المترافقة مع الحس المرهف والإنساني، إلى الانتهازية والمتاجرة بدم الناس التي تنعدم عندها أية مشاعر إنسانية..
يذهب السوريون بعد أسابيع قليلة إلى انتخابات مجلس الشعب، التي هي استحقاق له خصوصيته في الظروف الراهنة للأزمة السورية، ورغم العقبات التي ستقف في وجه هذه الانتخابات، من ناحية نسب المشاركة، غير المتفاءل بها عموماً، ولاسيما في المناطق الأكثر توتراً، ومن ناحية قانون الانتخابات الحالي المتخلف، فإنّ الانتخابات ستكون رغم ذلك، محكاً واختباراً للنظام بالدرجة الأولى، كونه الجهة التي ستدير الانتخابات وتشرف على سيرها، إذ ستظهر مدى جديته في الإصلاح والتغيير، وفي تطبيق روح الدستور الجديد.
باتت تعقيدات الأزمة الوطنية العميقة التي تعصف بسورية واقعاً موضوعياً أكبر من أن يعزى إلى أحد أطرافها منفرداً، لكنّ لدى كلّ من هذه الأطراف خصوصياته الذاتية التي تسهم في استمرار التأزم وعرقلة الحلّ. وسنركز الاهتمام هنا على الجانب الذاتي لدى النظام، كطرف في الأزمة، أي على سمات عقليته التي تعرقله حتى الآن عن الاضطلاع الجدّي بالمسؤولية الخطيرة المطلوبة منه وطنياً، في الانخراط في حلّ سياسي جذري شامل، وتجعله يتخلف عن ملاقاة مبادرات المعارضة الوطنية، والحركة الشعبية السلمية، وعن حوارهما جدّياً وندّياً، للتوصل إلى التوافقات الضرورية من أجل الخروج من الأزمة إلى مستقبل أكثر أماناً وخيراً للشعب والوطن.
نشأت ظاهرة الطوائف الدينية تاريخياً كخلافات دينية وفقهية في ظاهرها،تعبر في جوهرها عن خلافات سياسية،أي عن خلافات على إدارة المؤسسات التي تتحكم بتوزيع الثروة الاقتصادية بطريقة معينة بين طبقات المجتمع.
ومع مضي الزمن تغير المجتمع في بنيانه التحتي وعلاقات الإنتاج فيه،و لكن العنصر الديني والطائفي في البنيان الفوقي كان أبطأ في التغير،واكتسب قداسة ترسخت في الوعي عبر الأجيال،رغم أنّ أجيال الطوائف نفسها تنوعت طبقياً بحيث بات في عضوية كلّ دين وطائفة شرائح طبقية شديدة التباين والتناقض.
صدر حديثاً عن دار «الطليعة الجديدة» في دمشق كتاب بعنوان «أصل رأس المال»، وهو كراس يتألف من الفصلين الرابع والعشرين والخامس والعشرين من المجلد الأول لمؤَّلف ماركس المعروف «رأس المال»، والذي صدر أول مرة عام 1867 في هامبورغ باللغة الألمانية وبإشراف ماركس. وهذه هي الطبعة الأولى للدار من الكراس، والتي حررتها اعتماداً على طبعة اللغة الروسية لـ«رأس المال»، الصادرة عن الأدب السياسي، موسكو، 1969، وطبعات أخرى، علماً أنه كان قد صدر سابقاً بالعربية أيضاً عن دار التقدم - موسكو، لكن طبعة «الطليعة الجديدة»، أغنى بحواشي التحرير، مع إضافات توضيحية لحواشي ماركس الأصلية. ويقع الكتاب في 110 صفحات من القطع المتوسط. المادة التالية قراءة في بعض أفكار الكتاب، وتشير الأرقام إلى مراجعها في صفحاته.
البرنامج العملي لتجاوز الاغتراب
بما أنّ الاغتراب حالة خاصة من التموضع، ملازمة للملكية الخاصة، فهذا يعني أنّ بلوغها ذروة تطوّرها في الرأسمالية يفتح الإمكانية أمام تجاوز الاغتراب من خلال نفي الملكية الخاصة، ويستنتج ماركس أن: «انعتاق المجتمع من الملكية الخاصة.. من العبودية، يجد التعبير عنه في الشكل السياسي من انعتاق العمّال. هذا ليس لأنّها مجرّد قضية انعتاقهم، بل لأنّه في انعتاقهم يكون ضمناً الانعتاق الإنساني الشامل. وسبب هذه الشمولية هو أنّ عبودية البشر برمّتها متضمَّنةٌ في علاقة العامل بالإنتاج، وجميع علاقات العبودية ليست إلا تعديلات وعواقب لهذه العلاقة».(1)
تجسد شخصية «تيناردييه» في رواية البؤساء لفيكتور هوغو، بعد تهتك وضعها الاقتصادي، وحتى قبله جزئياً، أحد الأمثلة البارزة على ما يسمى حثالة البروليتاريا، تلك الشخصية التي تختتم حياتها بالتجول المحموم بين جثث قتلى معركة واترلو بحثاً عن ساعة في يد قتيل أو سن ذهبي في فم آخر.. إنّ أمثال هذه الشخصية لا يزالون موجودين على امتداد الخارطة العالمية، بل ويمكن القول أن الرأسمالية بتعفنها وسعت صفوفهم وزادتهم تهتكاً وتهميشاً..