«حثالة البروليتاريا» حيّة ترزق.. وتخرب!

«حثالة البروليتاريا» حيّة ترزق.. وتخرب!

تجسد شخصية «تيناردييه» في رواية البؤساء لفيكتور هوغو، بعد تهتك وضعها الاقتصادي، وحتى قبله جزئياً، أحد الأمثلة البارزة على ما يسمى حثالة البروليتاريا، تلك الشخصية التي تختتم حياتها بالتجول المحموم بين جثث قتلى معركة واترلو بحثاً عن ساعة في يد قتيل أو سن ذهبي في فم آخر.. إنّ أمثال هذه الشخصية لا يزالون موجودين على امتداد الخارطة العالمية، بل ويمكن القول أن الرأسمالية بتعفنها وسعت صفوفهم وزادتهم تهتكاً وتهميشاً..

مصطلح «البروليتاريا الرثّة» أو «حثالة البروليتاريا» Lumpen proletariat يرد في الطبعات الألمانية من «البيان الشيوعي» (الكلمة الألمانية Lumpen: رثّ)، بدلاً من «الطبقة الخطرة» في الطبعات الإنكليزية منه.

في الأدبيات الشيوعية، كان إنجلس أول من وصف هذه الشريحة الاجتماعية، قبل اصطلاح تسميتها هذه؛ في خطابه في إيلبرفيلد، ألمانيا 8 شباط/فبراير 1845: «وهكذا نجد هؤلاء الناس يُعَهِّرون أنفسهم بطريقة أو بأخرى، يتسولون، ويكنسون، يقفون على الزوايا، بالكاد يُبقون على الروح في الجسد، بأعمالٍ صغيرة متقطعة، باعة متجولون لشتى البضائع التافهة». ثم في كتابه «حالة الطبقة العاملة في إنكلترا»، آذار/مارس 1845: «طعامهم شحيح وسيء، ثيابهم رثّة، مساكنهم ضيقة بائسة، أكواخ قذرة، مكتظة بالرجال والنساء. يوم أو اثنان دون عمل في الشهر تغرقهم لا محالة في فاقة رهيبة... لا يستطيعون التوحّد لرفع أجورهم، لأنهم مشتتون، وإذا رفض أحدهم العمل البخس، طُرد منهم العشرات».

كان الاستخدام الأول للكلمة لدى ماركس وإنجلس في مؤلَّفهما «الأيديولوجية الألمانية»، تشرين الثاني/نوفمبر 1845 – آب/أوغسطس 1846، بشكل عابر. وفي كتيبه غير المُكتمل عن «المسألة الدستورية في ألمانيا»، آذار/مارس – نيسان/أبريل 1847، يستعملها إنجلس لأول مرة كمصطلح لتمييز فئة خاصة من «الطبقات عديمة الملكية» التي قسمها إلى: «عمال زراعيين، ومياومين، وحرفيين مهرة، وعمال مصانع، وبروليتاريا رثة»، ويلاحظ بأنّ «البروليتاري الرثّ، لقاء حفنة من القروش، يقاتل بقبضتيه العزلاوين في المشاجرات بين البرجوازية، والنبلاء، والبوليس».

في مؤلفه الصراع الطبقي في فرنسا يعتبر ماركس أنّ «أرستقراطية المال، بأسلوب كسبها، وكذلك في ملذاتها، ليست سوى انبعاث حثالة البروليتاريا على قمم المجتمع البرجوازي». ويصف لويس بونابارت نفسه بأنه ممثل تلك الحثالة التي اعتلت السلطة في لحظة توازن القوى الطبقي بين الطبقتين الأساسيتين. كما لاحظ كل من ماركس وإنجلس الدور الخطير لهذه الشريحة ضد البروليتاريا العاملة، كما تكشف لهما خاصة في أحداث ثورات العام 1848 في أكثر من بلد أوروبي، حيث كانت تُجند دائماً في القمع والثورات المضادة، فالحرس المتنقل الفرنسي «ينتمي بمعظمه إلى البروليتاريا الرثة، والتي في جميع المدن الكبيرة تشكل كتلة متميزة بشدة عن البروليتاريا الصناعية، وتربة لتجنيد اللصوص والمجرمين من جميع الأنواع» (ماركس – الصراع الطبقي في فرنسا). «وفي النهاية كانت البروليتاريا الرثة هنا كما في كل مكان قابلة للإفساد، منذ اليوم الثاني من الحركة، تطلب السلاح والمال من هيئة الأمن العام في الصباح، وتبيع نفسها إلى البرجوازيين الكبار بعد الظهر، لتحمي عماراتهم أو تنهب المتاريس عند حلول المساء. وهي إجمالاً تقف إلى جانب البرجوازية التي تدفع لها أكثر، والتي بأموالها تعيش حياة مرح وتهتك طيلة استمرار الحركة» (إنجلز – «حملة من أجل الإمبراطور الألماني»).

في «حرب الفلاحين في ألمانيا» يضع إنجلس الإطار العام لها كظاهرة تاريخية: «البروليتاريا الرثة هي عموماً ظاهرة توجد، بهذه الدرجة أو تلك من التطور، في جميع أطوار المجتمع المعروفة حتى الآن. الناس الذين لا مهنة محددة لهم، ولا مأوى دائم، ازدادت أعدادهم كثيراً في ذلك الزمن بسبب تداعي الإقطاعية في مجتمع كانت كل مهنة فيه، وكل ميدان للحياة، ما تزال محصّنة بامتيازات لا حصر لها. في جميع البلدان المتطورة المتشردون لم يكونوا بهذه الكثرة كما كانوا في النصف الأول من القرن السادس عشر».

يلخص إنجلس الموقف السياسي للشيوعيين من «حثالة البروليتاريا» في مقدمة الطبعة الألمانية الثانية لمؤلف إنجلس «حرب الفلاحين في ألمانيا»، شباط/ فبراير 1870 : «حثالة البروليتاريا التي تمثل نفايات من العناصر المتفسخة أخلاقياً ونفسياً من جميع الطبقات، والتي تتركز بصورة رئيسية في المدن الكبيرة، هي أسوأ جميع الحلفاء المحتملين. إنّ هؤلاء الأوباش مأجورون كلياً ومزعجون أشد الإزعاج بلجاجتهم. إنّ كل زعيم عمالي يستخدم هؤلاء الأوغاد حرساً له أو يعتمد عليهم، يثبت بهذا وحده، أنّه خائن للحركة».

إنّ إعادة الاعتبار لهذا الفهم لحثالة البروليتاريا، يتمتع اليوم براهنية عالية وبأهمية كبرى، فالفاشية التي ظهرت للمرة الأولى في القرن العشرين، جعلت من هذه الشريحة خزاناً بشرياً لتنفيذ برامجها، والفاشية الجديدة تستفيد اليوم من توسع هذه الشريحة وتضخمها. 

إنّ التمييز بين هذه الشريحة من الطبقة العاملة وبين البروليتاريا الصناعية والمنتجة، هو في نهاية المطاف تمييز بين القاعدة الجماهيرية للثورة المضادة، وبين القاعدة الاجتماعية للثورة الحقيقية.