القمع والنظام القمعي..؟

يتعامل الكثير من «المثقفين» و«السياسيين» مع مفهوم القمع من منظور أخلاقي بحت، وبكلام آخر فإنهم يتعاملون معه من منظور غير علمي، ولهم في ذلك أسبابهم التي تتدرج من البساطة والسذاجة المترافقة مع الحس المرهف والإنساني، إلى الانتهازية والمتاجرة بدم الناس التي تنعدم عندها أية مشاعر إنسانية..

 

فإذا كان مبرراً لعامة الناس أن ترى الأمور من زاوية غير علمية، فإنه من غير المبرر مطلقاً أن يشاركهم ذلك من يسمون أنفسهم «النخبة»، وإذا كان المنظار غير العلمي للقمع قد كلف السوريين سابقاً قراءة مقالات وأبحاث وكتب مليئة بالأخطاء والتخرصات، فإنه يكلفهم اليوم دماءهم..
لا شك في أن النظام السوري هو نظام قمعي، ولكن ما الجديد في ذلك؟ هل يوجد في هذا العالم الرأسمالي نظام غير قمعي؟؟، وهل ينتظر من يريدون إسقاط النظام أو تغييره أو حتى إصلاحه ألا يتم قمعهم أو على الأقل ألا تتم محاولة قمعهم؟؟
تمارس أنظمة العالم الرأسمالي جميعها – وسورية منها- القمع السياسي ضد شعوبها بغية منع تلك الشعوب من استعادة حقوقها من الناهبين الرأسماليين، وتختلف أشكال هذا القمع تبعاً لدرجة تطور الأنظمة، ودرجة تطور بنيانها الفوقي التي تعكس درجة تطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج.. وتمتاز دول العالم الثالث بشكل خاص من القمع، يحدده بالدرجة الأولى التماهي بين الأنظمة وجهاز الدولة، الأمر الذي يسمح للنظام السياسي بممارسة مزيد من القمع باستخدام جهاز الدولة وباسم الأمن والأمان.. ولكن قدرة (النظام- الدولة) على ممارسة القمع يحددها عامل أساسي ليس درجة قوة الجهاز كما يعتقد كثيرون، وليس وحشية ودموية واجرام وارهاب النظام كما تجتهد المعارضة الإعلامية لدينا.. ولكنه ما يمكن تسميته درجة قبول المجتمع بالقمع.. ونقصد بذلك درجة تغاضي الناس عن القمع الذي يمارسه نظام ما تبعاً إما لعملية ايهام يمارسها النظام عليهم، أو لقناعتهم بضرورة قمع من يتم قمعهم، الأمر الذي يفرض على الحركة السياسية المعارضة خلق حالة من الاحتضان الاجتماعي لشعاراتها وأهدافها بما يحد أو يمنع القمع تجاهها، وإيجاد أشكال النشاط العملي التي تحقق تلك الغاية..
ولنقول الكلام واضحاً، فإن جزءاً لا بأس به من «المعارضين» وتحديداً مجلس اسطنبول يقوم عامداً من خلال ممارسته السياسية العميلة برفع درجة قبول جزء من المجتمع السوري بالقمع الذي يمارسه النظام أي أنه يقدم للنظام الذرائع الكافية لممارسة العنف يميناً وشمالاً، العنف الذي يضع الجميع في سلة واحدة الوطني مع غير الوطني ويضر بالأساس الوطنيين قبل غيرهم، كما أن النظام يستفيد من عمالة الاسطنبوليين وحماقة المعارضين المتذبذبين ليمارس قمعه وحلوله «الحاسمة» التي لا تزيد الوضع إلا تأزماً.. الأمر الذي يروق مجلس اسطنبول ويوافق غاياته في قسم الشارع السوري عمودياً ومنع الاصطفافات على أسس وطنية واضحة..
لا يمكن لمعارضة تريد سورية جديدة إلا أن تثق بالناس أولاً، وعليها لذلك أن تثبت وطنيتها، وتثبت فوق ذلك أنها على يسار النظام وأكثر جذرية منه في القضايا الاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية والوطنية، وأنها غير ملوثة بأمراضه العضال من فساد ومحسوبيات وعقلية أمنية.. وإلا فإن الناس سينفضون من حولها مهما تباكت عليهم ومهما نددت وشجبت وأدانت واستنكرت... العنف والقمع.. بكلام آخر، يجب استمالة الناس إلى صف المعارضة بممارسة وطنية واضحة تحدد عدوها الخارجي دون مواربة، وتميز بين الأعداء الداخليين الذين هم امتداد واستمرار للعدو الخارجي وبين الخصوم السياسيين، عندها فقط تتمكن المعارضة من تجميع الكتلة البشرية الكافية لتخفيف حدة القمع وصولاً إلى كسره..