«رأس المال».. وأهمية قراءته اليوم

«رأس المال».. وأهمية قراءته اليوم

صدر حديثاً عن دار «الطليعة الجديدة» في دمشق كتاب بعنوان «أصل رأس المال»، وهو كراس يتألف من الفصلين الرابع والعشرين والخامس والعشرين من المجلد الأول لمؤَّلف ماركس المعروف «رأس المال»، والذي صدر أول مرة عام 1867 في هامبورغ باللغة الألمانية وبإشراف ماركس. وهذه هي الطبعة الأولى للدار من الكراس، والتي حررتها اعتماداً على طبعة اللغة الروسية لـ«رأس المال»، الصادرة عن الأدب السياسي، موسكو، 1969، وطبعات أخرى، علماً أنه كان قد صدر سابقاً بالعربية أيضاً عن دار التقدم - موسكو، لكن طبعة «الطليعة الجديدة»، أغنى بحواشي التحرير، مع إضافات توضيحية لحواشي ماركس الأصلية. ويقع الكتاب في 110 صفحات من القطع المتوسط. المادة التالية قراءة في بعض أفكار الكتاب، وتشير الأرقام إلى مراجعها في صفحاته.

إعداد: د.أسامة دليقان

ظهرت أولى براعم الإنتاج الرأسمالي عرَضياً في بعض مدن البحر الأبيض المتوسط في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، لكن بداية المرحلة الرأسمالية لا تعود إلا إلى القرن السادس عشر. وتسمى العملية التاريخية التي ولدتها بالتراكم الرأسمالي الأولي. (8)

يعرِّف ماركس عملية التراكم الأولي بأنها تلك اللحظات في التاريخ التي أدت إلى فصل جماهير غفيرة، بغتة وعنوة، عن وسائل عيشها، وألقت بها في سوق العمل بصورة بروليتاريين، أي قوى عاملة لا تملك وسائل إنتاج، ولا نملك إلا قوة عملها لعرضها في السوق، ويشكل انتزاع الأرض من المنتج الزراعي والفلاح أساس هذه العملية برمتها. ولم يتخذ التراكم الأولي شكلاً كلاسيكياً إلا في إنكلترا، ولذلك فقد أخذها ماركس نموذجاً للدراسة.(9)

التراكم الأولي بين الشرق والغرب

كان إنجاز التراكم الأولي لا يتطلب فقط الدخول في صراع مع الإقطاعية، بل وإزالة البقايا المشاعية التي استمرت في كنفها، مثل المشاعة الجرمانية، والاسكتلندية، ويلاحظ ماركس في دراسته للتراكم الأولي في إنكلترا أن اغتصاب المشاعة بالعنف، كان يرافقه عادة تحويل الأراضي المحروثة إلى مراعٍ، وأن هذه العملية بدأت في أواخر القرن الخامس عشر وانتهت بحلول العقد الأخير من القرن الثامن عشر حيث كانت قد زالت آخر آثار الملكية الزراعية المشاعية(26). لكن الإرث المشاعي في الشرق لم يهلك تماماً (على الأقل ببنيته الفوقية)، وكان إنجلس في مقدمة الطبعة الروسية للبيان الشيوعي لعام 1882 قد لفت الانتباه إلى هذا الإرث، وأدلى بتساؤلاته وفرضياته عن مصائره التاريخية. 

ويفرد ماركس فصلاً خاصاً لـ«نظرية الاستعمار الحديثة» (93)، يلي مباشرة الفصل عن «ما يسمى بالتراكم الأولي»، كاشفاً عن جوهر نشوء الظاهرة الاستعمارية في سياق وظيفتها التاريخية كإحدى أهم آليات تحقيق التراكم الأولي أساساً، فالاستعمار ليس أي غزو كان، إنه غزو لرَسمَلة العالَم الواقع خارج المتروبول (البلد الأم للمستعمِر). ولهذا أهمية راهنة لفهم العلاقة التاريخية بين الغرب والشرق على أساس هذا المعيار الاقتصادي-السياسي الموضوعي، وتمييز المستَعمِر عن المستَعمَر، ثم – مع أخذ تطويرات لينين – الإمبريالي عن غير الإمبريالي، والتذكير بذلك أمام النسيان أو التناسي من البعض (سواء كانوا «ماركسيين» أو «قوميين» أو «إسلاميين»)، ممن يروِّجون عمداً أو جهلاً لـ«أساطير الغرب المضيئة»، وتحديد خصوصية الدور التاريخي والراهن، لكل من شعوب الشرق والغرب.

الحد الأدنى للأجور

يلفت ماركس الانتباه إلى هذه القضية الهامة، التي مازالت راهنة وملحة إلى يومنا هذا: « يتجلى روح نظام العمل الصادر في 1349 وجميع القوانين اللاحقة بسطوع في كون الدولة تقرر الحد الأقصى للأجرة فقط، ولا تقرر إطلاقاً حدها الأدنى» (52). وعلى هذا الأساس، يخبرنا ماركس «العتيق»، بأنّ الدولة السورية «الحديثة» مثلاً، ورغم أنّ دستورها الحالي ينص نظرياً على ربط الحد الأدنى للأجور بالحد الأدنى لمستوى المعيشة، فإنها من هذه الناحية مازالت فعلياً – وهي ليست الدولة الرأسمالية الوحيدة في ذلك طبعاً –  تعيش في القرن الرابع عشر! 

«الدَّين-قراطية» وعواقبها

يتحدث ماركس عن «الدور الكبير الذي يضطلع به دَيْن الدولة والنظام الضرائبي المناسب له في تحويل الثروة إلى رأسمال وفي انتزاع ملكية الجماهير» (82). إنّ ديون الدولة، أي نزع ملكية الدولة – سواء كانت استبدادية أو دستورية أو جمهورية – يختم بخاتمه العهد الرأسمالي.. وتتيح القروض للحكومة تغطية النفقات الاستثنائية بحيث لا يَشعرُ المُكَلَّفُ على الفور بكل عبء هذه النفقات... وتجبر الحكومة على اللجوء إلى قروض جديدة على الدوام (79). ولا يمكن إلا أن نتذكر عقود POT النيوليبرالية وأشباهها، عندما يخبرنا ماركس عن بدعة عقود الإيجار طويلة الأجل (99 سنة)، التي ظهرت في القرن السادس عشر، ودورها في الاغتناء على حساب العمال وأسياد الأرض معاً (61).

أطفال في الماكينة 

«الديمقراطية»، SOS!

يذكر ماركس بأنه في بعض مناطق إنكلترا كان الطلب شديداً بخاصة على أصابع الأطفال الصغيرة، الرشيقة والسريعة.. ممن تتراوح أعمارهم بين السابعة والثالثة عشرة أو الرابعة عشرة. كانوا يعذبونهم بالعمل المفرط حتى الموت.. ويجلدونهم، ويقيدونهم بالسلاسل، ويجوعونهم حتى الرمق الأخير... وكانوا أحياناً يدفعونهم إلى حد الانتحار!.. لقد كانت أرباح الصناعيين هائلة. (84)

رأس مال بلا حدود 

يذكر ماركس عن نسب ربح الرأسمال أنه إذا تأمنت نسبة 10 بالمئة، اشتغل الرأسمال في أي مجال كان، و20 بالمئة، تنشَّط، و50 بالمئة، تملَّكه الاستعداد لتكسير رأسه، و100 بالمئة، داس بالأقدام جميع القوانين البشرية، وأما مع 300 بالمئة، فليس ثمة جريمة لا يجازف بارتكابها حتى ولو قادته إلى حبل المشنقة. (88)

لم يكن ماركس يتصور أن تصل نسب أرباح الرأسمال مثلاً إلى 2500 بالمئة! (نسبة ربح الرأسمال اليوم من طباعة ورقة الدولار الواحد بكلفة أربعة سنتات). 

الساعة تدق!

بقدر ما يتناقص باستمرار عدد دهاقنة الرأسمال الذين يغتصبون ويحتكرون جميع منافع عملية التحول هذه، بقدر ما يشتد ويستشري البؤس والظلم والاستعباد والانحطاط والاستثمار، وبقدر ما يزداد أيضاً باستمرار تمرد الطبقة العاملة التي تزداد على الدوام عدداً وتتثقف وتتحد وتنتظم بفعل آلية عملية الإنتاج الرأسمالي نفسها. وهكذا يصبح احتكار الرأسمال قيداً لأسلوب الإنتاج الذي نشأ معه وبه. إن تمركز وسائل الإنتاج، وجعل العمل اجتماعياً... لا يعودان يتطابقان مع إطارهما الرأسمالي، فينفجر. إن الساعة الأخيرة للملكية الخاصة تدق (91)، ولا بد أن «تَنتزع الجماهيرُ الشعبية مُلكيةَ القِلَّة من المغتصبين». (92)

آخر تعديل على السبت, 13 آب/أغسطس 2016 17:10