أسوأ الأحزاب جميعاً..
يذهب السوريون بعد أسابيع قليلة إلى انتخابات مجلس الشعب، التي هي استحقاق له خصوصيته في الظروف الراهنة للأزمة السورية، ورغم العقبات التي ستقف في وجه هذه الانتخابات، من ناحية نسب المشاركة، غير المتفاءل بها عموماً، ولاسيما في المناطق الأكثر توتراً، ومن ناحية قانون الانتخابات الحالي المتخلف، فإنّ الانتخابات ستكون رغم ذلك، محكاً واختباراً للنظام بالدرجة الأولى، كونه الجهة التي ستدير الانتخابات وتشرف على سيرها، إذ ستظهر مدى جديته في الإصلاح والتغيير، وفي تطبيق روح الدستور الجديد.
في هذا الخصوص أعتقد بأنّ حظوظ هذه الانتخابات في أن تكون خطوة إيجابية على الطريق الطويل لحل الأزمة، وفي السير نحو الإصلاح، إنما تتناسب طرداً مع مقدار مشاركة الوطنيين داخل النظام والمعارضة والمجتمع في إفساح أكبر مجال ممكن لوصول ممثلين حقيقيين لمصالح الأغلبية الساحقة الواسعة من الشعب السوري.
ومن أجل تحقيق ذلك لا بدّ بالمقابل من تضييق المجال على مرشحي الحزبين الأسوأ في البلاد، أي مرشحي الفئة «م»، والفئة «د».
الفئة «م»:
عن حزب المال، أو حزب رجال الأعمال، الرأسماليين المستغلين للعمال، أو مافيا تجار الاستيراد والتصدير، والاستثمار في غلاء الأسعار، والمضاربة بالعملات، وباختصار حزب مصاصي دماء الشعب.
جزء من هؤلاء أعضاء حاليون في مجلس الشعب الحالي، ومن المحتمل أن يغير الحزب «م» لاعبيه وينزل بتشكيلة لاعبين احتياطيين لديه كمرشحين عنه، وذلك بغية تضليل الناس، وإيهامهم بالتجديد، ولاسيما أنّ برنامجه لم يتغير، ولكنه غير معلَن، وعمل وسيعمل على تنفيذه تحت الطاولة.
إذا تساءل السوريون عن هذا الحزب الذي لا يكشف عن نفسه بهذه الصفة، نذكرهم بأنه نفسه الحزب الذي أرسل فريقاً منه، ليحتلّ جزءاً من السلطة التنفيذية في حكومة العطري التي رحلت دون حساب، حتى الآن، بعد أن نفّذت مهمتها في تحضير اللحظات الاقتصادية-الاجتماعية الأخيرة السابقة لانفجار الأزمة. يدور الحديث هنا بالطبع عن الفريق النيوليبرالي بزعامة الموظف السوري لدى المؤسسات الدولية للطغمة الإمبريالية العالمية، والمدعو «عبد الله الدردري».
الفئة «د»:
عن حزب المدعومين من أجهزة الدولة المختلفة، والذي لا مبرر لحاجتهم إلى غير دعم الشعب إلا أنهم يخافون منه، ولا يثقون به، ويعرفون أن الشعب أيضاً لا يثق بهم، فيلجؤون إلى مساعدة من يمثلونهم من الفاسدين الكبار داخل جهاز الدولة، إما عبر أساليب «نزيهة»- بمعنى قانونية- تقوي استفادتهم من نقاط الضعف المشرعنة في قانون الانتخابات المتخلف والمفصلة أساساً على قياس أمثالهم، مثل العدد الكبير للدوائر الانتخابية في البلاد، والعدد الهائل للصناديق الانتخابية، أو أساليب غير نزيهة، مثل التلاعب بالصناديق والأصوات عدداً أوعدّاً أو فرزاً..
نستطيع القول إنه حزب البيروقراطية التي قال عنها غرامشي بأنها «اغتربت عن الوطن»، وأنها «صارت من خلال مواقعها الإدارية حزباً سياسياً حقيقياً، هو أسوأ الأحزاب جميعاً. وحلّت الهرمية البيروقراطية، محل الهرمية الفكرية والسياسية، وأصبحت البيروقراطية حزب الدولة البونابرتي.»
هل يوجد مرشحون «مستقلون»؟
إنّ توصيف «مستقلين»، وإنْ كان المقصود به عادةً الاستقلال عن الأحزاب السياسية، يحمل كثيراً من الالتباسات والتساؤلات، التي لا يحلها ويجيب عنها سوى أمرين: إعلان المرشح عن برنامج انتخابي واضح من النواحي السياسية والاقتصادية-الاجتماعية تبين إلى أية طبقة أو شريحة ينحاز - لأنه لامحالة منحاز بهذا المعنى، وهذا أمر حتمي وطبيعي، أو أنّ متابعة عمله بعد نجاحه الانتخابي سيكشف برنامجه وإنْ كان غير معلن.
وبالطبع قد يكون جزءٌ من هؤلاء «المستقلين» واجهة لأي حزب آخر، بما في ذلك الأحزاب غير الصريحة المذكورة سابقاً (أحزاب المال وأحزاب بيروقراطية الدولة)، ولا غرابة أن يكون لهذه الفئات تحالفاتها، وحتى اندماجها، مع بعضها في ما يمكن أن نسميه الفئة «ف»، أي فئة الفساد الكبير.
إنّ السؤال الذي ينتظر الإجابة عليه خلال الأسابيع القادمة: هل سيستطيع المرشحون الوطنيون عن فئة الأغلبية الشعبية «ش»، من تعديل ميزان القوى داخل مجلس الشعب، لمصلحة الشعب، ولمصلحة إعادة تفعيل وإخراج أهم مؤسسات السلطة التشريعية في البلاد من سباتها العميق والطويل؟
إننا وفي الوقت نفسه الذي نرفض فيه حرية التعبير وفق معايير إعلام البترودولار، والتي «تسمح لنا أن نصغي لأولئك الذين يتحدثون باسمنا» - حسب قول إدواردو غاليانو - وليس إلى الذين يمثلون مصالحنا الحقيقية، فإنّنا - والقول أيضاً لغاليانو- لا نريد أن تكون لدينا «انتخابات حرة تسمح لنا أن نختار المرق الذي نُؤكَلُ به!».