المزاج والمصلحة
يمكن تقسيم القوى السياسية وفقاً لطريقة تعاملها مع عموم الناس، إلى نوعين أساسيين: الأول هو الذي يبني مواقفه على أساس مزاج الناس، والثاني هو الذي يبني مواقفه على أساس مصلحة الناس، والفرق بين الأمرين كبير جداً!
المزاج هو أمرٌ متغير ومتقلب ومتحول وتلعب في تكوينه عوامل متعددة بينها الضغط الإعلامي سواء الداخلي أو الخارجي، وسواء عبر الإعلام التقليدي أو عبر وسائل التواصل والفضاء الإلكتروني عموماً، بما يحتويه من تلفيق وشائعات وذباب إلكتروني، والمزاج لا يعبر دائماً عن المصلحة الحقيقية للناس؛ على سبيل المثال، تؤدي الأحداث ذات الطابع الطائفي، وخاصة حين تترافق مع حملات إعلامية منظمة، إلى تكوين مزاج ثأري مدمر، وأحياناً يمكن أن تؤدي إلى تكوين مزاج آخر يعتقد بأن الدعم الخارجي لهذه الفئة أو تلك يمكنه أن يؤمن لها «الحماية»...
وأمام أحداث من هذا النوع، تتجه القوى العاقلة إلى رفض المزاج الثأري أو المزاج المعول على الخارج، وتدفع نحو البحث عن كلمة سواء بين أبناء الوطن الواحد على أساس الحوار والمشاركة والمحاسبة وتحقيق العدالة. في لحظة فوران الدم، ربما تلقى دعوات هذه القوى رفضاً واسعاً من أطراف مختلفة، وربما تتهم بأنها حالمة أو منفصلة عن الواقع، ولكن القوى السياسية الجدية لا تهتز ولا يصيبها الوجل والخوف من هجوم الناس على طروحاتها، ويكون شاغلها الأساسي هو الخوف على الناس لا الخوف منهم، وهي تعلم أنها ينبغي أن تضع نصب عينيها مصلحة الناس... يجب عليها أن تراعي مزاجهم، نعم، ولكن لا يجوز لها أن تخضع لذلك المزاج وتلتحق به؛ فهي بفعلها ذلك تقدم نفسها كقوى انتهازية تحاول نيل القبول والحظوة لدى الناس لا لتدافع عن مصلحتهم بل لترفع نفسها باستخدام ذلك القبول، بغض النظر عن النتائج المترتبة على مصالح الناس وأرواحهم...
القوى السياسية الحقيقية تعرف أن لها وظيفة ينبغي أن تؤديها ضمن مجتمعاتها، وتعرف أنها وظيفة شديدة الصعوبة، وقد يقف الناس في بعض الأحيان ضد مصالحهم تحت ضغط مزاج عابر متقلب، وفي تلك اللحظات الصعبة بالذات، يمكن التمييز بين القوى الانتهازية، والقوى التي تناضل قولاً وفعلاً من أجل مصلحة الناس...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 0000