محمد عادل اللحام
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المؤتمرات في دمشق مستمرة بالانعقاد تباعاً، تناقش التقارير المطروحة من قبل مكاتب النقابات، والنقاش أو الملاحظات المطلوبة، كما عبرت عن ذلك تعليمات المكتب التنفيذي في الاتحاد العام حول التقرير المقدم في كل مؤتمر فقط..، والذي عادةً يجري العرض بمتنه حول القضايا الحصرية بعمل النقابة ونشاطها ونفقاتها، ونادراً ما تناقش أو تعرض التقارير قضايا اقتصادية وازنة، مثل الأجور أو السياسات الاقتصادية للحكومة، التي مست بشكل مباشر المستوى المعيشي للعمال، والذي تدنى إلى حدود لم تعد تطاق خاصةً في عام 2015، حيث تشير وتؤكد التقارير والدراسات الاقتصادية إلى خسارة الأجور لأكثر من 50% من قيمتها، بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني، الذي سببه الرئيسي ضعف أو غياب دور الدولة عن التحكم في الأسواق، إنتاجاً واستيراداً وتسويقاً وتوزيعاً.
الأزمة الوطنية السورية نقلت المجتمع السوري بما فيها القوى السياسية من حالة ما يشبه السكون إلى حالة أخرى تشبه إلى حد ما الحراك السياسي الواسع في مرحلة الخمسينيات من القرن الفائت،
نعقد اجتماع المجلس العام للاتحاد العام لنقابات العمال، والأزمة العميقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تضرب البلاد مازالت مستمرة وتتفاعل مكوناتها وتنتج مواقف مختلفة منها في كيفية الحل والخروج الآمن منها.
الدورة الانتخابية الخامسة والعشرون في مراحلها النهائية، ومن هنا لابد أن تقيم النقابات تجربتها خلال هذه الفترة من العمل النقابي، وإلى أي حد نجحت في تطبيق قراراتها الصادرة عن المؤتمر العام على مختلف الصُعد السياسية والاقتصادية والعمالية، والمراجعة هذه ضرورية، ولاسيما أن الطبقة العاملة مقبلة على استحقاق انتخابي في ظل تغيرات حقيقية تجري على الأرض، خاصةَ مع إقرار الدستور الجديد بحقوق للطبقة العاملة لم يكن يعترف بها الدستور السابق، وأهمها حق الإضراب عن العمل، وأن يكون الحد الأدنى للأجور متطابقاً مع متطلبات المعيشة، وهذا التطور الدستوري يضع على عاتق الحركة النقابية، والطبقة العاملة صياغة برنامج، وإيجاد آليات عمل، وقانون انتخابي متوافق مع ما جرى إقراره بالدستور الجديد للعمال، لأن ما هو قائم الآن أثبتت الحياة، والتجربة، عدم صلاحية استمراره للنضال النقابي، والعمالي في المرحلة القادمة التي تتطلب من الحركة النقابية، والعمال المواجهة المباشرة مع السياسات الليبرالية سياسياَ و اقتصادياَ واجتماعيا، ولكي تنجح المواجهة مع هذا العدو الطبقي لابد من حشد كل القوى الوطنية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة السورية، التي من المفترض أن تتبنى برنامجاَ حقيقياَ من أجل التغيير السلمي الجذري الشامل، يعبر عن مصلحة الشعب السوري في عملية التغيير، في مواجهة قوى الفساد، والتطرف من كل شاكلة ولون، التي أوجدت المقدمات الحقيقية للأزمة الوطنيةَ وساهمت مساهمة فعلية في تجميع الحطب اللازم و إشعاله، والعمل على استمرار لهيب الأزمة مشتعلاَ من خلال افتعال الأزمات، والاختناقات المعيشية، مساهمةَ بهذا الفعل، مع العدو الخارجي في إدامة الاشتباك الداخلي العنيف الذي يولُد كل يوم خسائر حقيقية في البشر، والحجر، والأرزاق، ويهدد الوطن أرضاَ وشعبا، ويجعل إمكانية الخروج الآمن من الأزمةَ، إمكانية يكتنفها التعقيد.
المؤتمرات النقابية بدأت في المحافظات جميعها التي يمكن أن يعقد فيها مؤتمر، والتعليمات التي أرسلت للنقابات من المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال تنص على ضرورة التغيير في سير أعمال المؤتمرات عما كان متبعاً في السابق، حيث كان عضو المؤتمر يقوم بقراءة مداخلته وتكون شاملة للتقرير النقابي أو غيرها من القضايا التي يرى النقابي أهميتها، من وجهة نظره، وبوجود ممثلي الحكومة ومدراء الشركات. أما في الوقت الحالي فتكون على التقرير المقدم من النقابة ولا يسمح بالخروج عن هذه الدائرة الضيقة في المداخلات.
ضمن التوجهات العامة لتعديل قانون التنظيم النقابي 84 وضمن التصريحات التي تدلي بها القيادة النقابية، أن اللجان النقابية لا تتمتع بصلاحيات تمكنها من دور أعلى في قيادة العمل النقابي في المنشآت والتجمعات التي تعمل فيها، ولهذا لابد من إعطاء صلاحيات للجان النقابية وخاصةً أن يكون هناك متفرغ واحد على الأقل، وأن يكون في حوزتها مبلغ مالي يساعدها في إنجاز مهماتها تجاه العمال، وهذه القضايا لها أهميتها من الناحية العملية إذا ما كانت اللجان فاعلة في تجمعاتها، والأهم إذا ما كانت منتخبة بإرادة العمال، حيث ستمكنها هذه الإرادة من امتلاك قوة القرار في الدفاع عن المنشأة أولاً أي الدفاع عن استمرارية الإنتاج وتطويره بعيداً عن سلوكيات العديد من الإدارات في المعامل والمنشآت التي تعتبرها مزارع خاصة لها تريد تسيرها وفقاً لمصالحها، وما تحققه من مكاسب وامتيازات حتى لو أدى ذلك إلى خراب البصرة مرةً ثانية.
الحركة النقابية وضمن القانون الناظم لعملها «قانون التنظيم النقابي رقم 84 » تعقد مؤتمراتها السنوية والمفترض أن تقدم النقابات جردة حساب لمنتسبيها من العمال الحاضرين للمؤتمر من خلال التقرير المقدم والموزع قبل انعقاد المؤتمر بزمن كاف، حتى يتسنى للعمال الاطلاع علية وبالتالي تقديم وجهات نظرهم حول عمل نقاباتهم، وما الذي تم انجازه من قضايا ومطالب للعمال، وما هي نسبة الإنجاز أو عدمه، والأسباب الفعلية للنجاح إن تم والإخفاق في تحقيق المطالب التي تكون السمة الغالبة لمعظم التقارير المقدمة، كون تحقيقها لا يرتبط فقط بدور النقابة على المتابعة ولكن للحكومة دوراً أساسياً باعتبارها ربة عمل وبيدها الحل والعقد وتكون مسؤوليتها مؤكدة بتدوير المطالب وتسويفها من عام لآخر وتكون النتيجة خسارة العمال لحقوقهم.
العقود الخمسة الغابرة جرى فيها الكثير من التبدلات،والتغيرات، السياسية، والاقتصادية،انعكس ذلك على تركيبة الطبقة العاملة، في العدد،والمواصفات، والمؤهلات، والذهنية، وأنماط التفكير،وحتى في السلوك، والمواقف تجاه قضاياها،وحقوقها التي تتغير، مع تطور الحياة، وضروراتها، حيث ما كان يُطالب به في الأربعينيات، والخمسينيات من القرن الفائت لم يعد مقبولاً في القرن الحالي، لأن العديد من تلك الحقوق قد أنجزتها الطبقة العاملة بفعل توفر العديد من الشروط التي أتاحت لها أن تتحرك بالرغم من الحصار، والمحاصرة التي تعرض لها العمال خلال حراكهم المطلبي، والسياسي في تلك المراحل التي كانت تعد العصر الذهبي للطبقة العاملة من حيث قدرة العمال، والنقابات على التعبير، والتصريح عن مطالبهم، وحقوقهم، وما كان هذا ليحدث لولا توفر مجموعة من العوامل الذاتية، والموضوعية، ويأتي في مقدمة ذلك، إرادة الطبقة العاملة في الدفاع عن مطالبها، واستقلالية قرارها المستند إلى استقلالية الحركة النقابية عن تدخلات الأحزاب، والقوى،والحكومات في شؤونها الداخلية، هذا بالإضافة إلى توفر الشرط الدولي بوجود المعسكر الاشتراكي الذي أمْن دعماً سياسياً، ومعنوياً لحراك العمال، و اكتسابهم لخبرة العمل النقابي، والعمالي من الدعم المقدم لهم، وقد انعكس هذا تحسناً في طريقة عرض قضاياهم، وطرق تحقيقها من خلال ما يتقدمون به في عرائضهم، وبياناتهم، وبرامجهم، ومواقفهم السياسية مما يجري في البلاد من أحداث.
الأزمة العميقة، الاجتماعية السياسية الاقتصادية التي دفعت بالجماهير إلى الشارع لتطرح مطالبها الاقتصادية والسياسية، ونتج عنها حراك مجتمعي واسع باحثاً عن حلول آمنة تُخرج البلاد من عنق الزجاجة التي وصلت إليه نتيجة الاحتقان والتذمر الواسعين على مدار عقود من الزمن...اد الوطني وتطويره وتحسين أدائه..
الحكومة العتيدة لا تدّخر جهداً من أجل التأكيد على تثبيت نهجها الليبرالي في المجالات جميعها عبر إصدار التشريعات ومشاريع القوانين والقرارات وتقديم التبريرات، مستفيدةً من واقع الأزمة الوطنية، لتجعل الشعب السوري أمام خيار وحيد، ألا وهو خيارها فيما ترسمه من سياسات اقتصادية، وهو الخيار القابل للحياة من وجهة نظرها، طالما أن القلم الأخضر بيدها وتخط به ما يحقق مصلحة القلة القليلة المستولين على الثروة، والمتحكمين بطرق استثمارها، وإعادة إنتاج أرباحها مرة تلو الأخرى، وبقية الشعب الفقير المنهوبة ثروته يرزح تحت نير الفقر والجوع والعوز، لتتغنى الحكومة بمصائبه وتدّعي بأنها تقدم الدعم « المعقلن » له.
الحكومة ومن خلال بعض وزرائها، قامت بقصف تمهيدي واسع عبر وسائل الإعلام، المختلفة وفي الاجتماعات واللقاءات النقابية، من أجل الترويج لقانون التشاركية باعتباره القانون الذي سيخرج الزير من البير، متحججة بالشماعة التي تعلق عليها دائماً ضعف أدائها عن تلبية حاجات الناس الضرورية، ألا وهي شماعة نقص الموارد وقلتها بيد الحكومة، مما يجعلها تتجه إلى موارد أخرى، والموارد الأخرى دائماً موجودة في جيوب الفقراء، أو في فتح الأبواب على مصراعيها للرساميل المحلية والأجنبية للاستثمار في ملكية الشعب، التي لا يحق لها التصرف والتفريط بها مهما كانت الحجج والمبررات التي تسوقها لهكذا عمل، والمفترض بها البحث عن مصادر تمويل حقيقية موجودة في جيوب قوى الفساد، وقوى رأس المال التي تتمركز الثروة في أيديهم، ويتحكمون من خلالها في رقاب العباد ومقدرات البلاد.
في اجتماع مجلس الاتحاد العام للنقابات دافعت الحكومة عن مشروع قانونها، واعتبرته القانون الذي سيعمل على زيادة أصول القطاع العام، وذلك في معرض ردها على طرح النقابيين في المجلس، حول المخاطر التي يحملها قانون التشاركية على الاقتصاد الوطني، وعلى القطاع العام، ولكن للأسف لم يتنبه النقابيون من خلال طرحهم إلى المخاطر السياسية التي يحملها هذا القانون، وإلى حقوق العمال في المنشآت المطروحة على المستثمرين، كون المستثمر سيأتي بشروطه الخاصة ومن ضمن شروطه واقع العمالة في المنشآت المستثمرة من قبله، وقد يفرض عماله أجنبية يأتي بها كما جرى عند ترميم مطار دمشق الدولي، حيث أحضرت الشركة الماليزية عمالتها معها ليس كخبراء بل كعمال عاديين.
القانون أُقرَّ في مجلس الشعب على عجل، كما هي العادة، دون أن يأخذ حقه من النقاش، رغم أنه يأتي في سياق استمرار السياسات الاقتصادية الليبرالية التي جمعت كل الحطب الاجتماعي ليأتي من يوقده.
المعركة مع هذا القانون لم تنته بإقراره، والقوى الوطنية ومنها الحركة النقابية مطالبة بتوحيد جهودها دفاعاً عن القطاع العام، ودفاعاً عن المصالح الجذرية للطبقة العاملة السورية.