بصراحة: التغيير النقابي..هل شروطه متوفرة؟
العقود الخمسة الغابرة جرى فيها الكثير من التبدلات،والتغيرات، السياسية، والاقتصادية،انعكس ذلك على تركيبة الطبقة العاملة، في العدد،والمواصفات، والمؤهلات، والذهنية، وأنماط التفكير،وحتى في السلوك، والمواقف تجاه قضاياها،وحقوقها التي تتغير، مع تطور الحياة، وضروراتها، حيث ما كان يُطالب به في الأربعينيات، والخمسينيات من القرن الفائت لم يعد مقبولاً في القرن الحالي، لأن العديد من تلك الحقوق قد أنجزتها الطبقة العاملة بفعل توفر العديد من الشروط التي أتاحت لها أن تتحرك بالرغم من الحصار، والمحاصرة التي تعرض لها العمال خلال حراكهم المطلبي، والسياسي في تلك المراحل التي كانت تعد العصر الذهبي للطبقة العاملة من حيث قدرة العمال، والنقابات على التعبير، والتصريح عن مطالبهم، وحقوقهم، وما كان هذا ليحدث لولا توفر مجموعة من العوامل الذاتية، والموضوعية، ويأتي في مقدمة ذلك، إرادة الطبقة العاملة في الدفاع عن مطالبها، واستقلالية قرارها المستند إلى استقلالية الحركة النقابية عن تدخلات الأحزاب، والقوى،والحكومات في شؤونها الداخلية، هذا بالإضافة إلى توفر الشرط الدولي بوجود المعسكر الاشتراكي الذي أمْن دعماً سياسياً، ومعنوياً لحراك العمال، و اكتسابهم لخبرة العمل النقابي، والعمالي من الدعم المقدم لهم، وقد انعكس هذا تحسناً في طريقة عرض قضاياهم، وطرق تحقيقها من خلال ما يتقدمون به في عرائضهم، وبياناتهم، وبرامجهم، ومواقفهم السياسية مما يجري في البلاد من أحداث.
السؤال المشروع هو: لماذا جرى التراجع في أداء العمال، والنقابات قياساً بما كانت عليه الحال سابقاً مقارنةً بالواقع الحالي؟
الإجابة تبدأ وباختصار من الشروط التي أمنت للعمال التقدم، والتطور في أن يصبحوا قوة أساسية لها وزنها في ميزان القوى المحلية، والتي أشرنا لها، وعندما أخذت الحركة النقابية والعمالية تفقدها شيئاً فشيء بدأت تظهر علامات التراجع، و خاصةَ عند قياداتها النقابية التي أصبح ولاؤها لغير مصالح العمال إلى حد بعيد بسبب الطريقة، والأسلوب الذي يوصلهم إلى المواقع القيادية في الحركة النقابية، والأدلة على هذا كثيرة يعرفها العمال من التجربة المعاشة الطويلة مع هكذا تجارب أوجدت عند العمال الكثير من حالات اليأس، أن لا جدوى من المطالبة بحقوقهم طالما الاستجابة لها غير مضمونة، بسبب الآلية المعمول بها في وصول الكثير من النقابيين القادمين من معامل القطاع العام إلى مختلف الهيئات النقابية وطريقة اختيارهم لها، بينما عمال القطاع الخاص، وهم الأغلبية من حيث العدد، والنوعية، والتوصيف، والتأهيل العلمي، بسبب التطور التكنولوجي الذي أدخله أرباب العمل،والصناعيين مؤخراً على العديد من الصناعات، فإن حظوظهم ضعيفة في الوصول إلى المواقع القيادية، مع أن عدد النقابيين في القطاع الخاص قليل لضعف العمل النقابي في صفوفهم، وعدم القدرة على جذبهم بالرغم من التصريحات التي تدلي بها القيادات بضرورة تطوير العمل مع عمال القطاع الخاص، ولكن ذلك لم يثمر بالشكل المفترض أن يكون عليه العمل النقابي في صفوفهم من أجل حماية حقوقهم التي انتهكت مع صدور قانون العمل الجديد الذي سلّم رقاب العمال لأرباب العمل وجعل مصيرهم في العمل والحقوق مرهوناً لما تقتضيه مصلحة أرباب العمل بينما المفترض أن تكون حقوق العمال مصانة بقوة القانون،وقوة من يمثلهم، وهذا يستدعي استخدام كل الوسائل المشروعة للدفاع عن الحقوق، والمطالب، بما فيها حق الإضراب عن العمل، والتظاهر السلمي، وهذا أصبح مشروعاً مع صدور الدستور الجديد، و هو حق من المفترض استخدامه دون تردد عندما تقتضي الحاجة إليه.
إن ما دفعنا للتطرق لهذا الواقع، والمقارنة بين مرحلتين عاشتهما الطبقة العاملة والحركة النقابية هو الوصول إلى تصورات أولية تجعل من إمكانية التغيير الحقيقي أمراً ممكنا ً وواقعياً لبداية توفر الشروط الموضوعية التي منها:
انفتاح الأفق السياسي، وبداية تكون فضاء سياسي جديد يجعل إمكانية التخلي عن الشروط السابقة في العمل العمالي، والنقابي ممكنة، والانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم دفاعاً عن الحقوق السياسية والاقتصادية لكل العاملين بأجر، بسواعدهم وأدمغتهم.
الإخفاقات التي مني بها العمال خلال مرحلة تطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية بفقدهم للكثير من حقوقهم، وخاصةً عمال القطاع الخاص، والآن تتنامى عندهم إرادة الدفاع عن حقوقهم، ومكاسبهم، ويتنامى أيضاً وعيهم لذاتهم.
مع نهاية الدورة الانتخابية ال«25» وفي ظل ما يطرح داخل الحركة النقابية من أراء ومواقف للعديد من الكوادر النقابية بضرورة استقلالية الحركة النقابية وتأمين الشروط الضرورية والكافية للحريات النقابية والديمقراطية التي ستؤمن وصول قيادات مناضلة ولاؤها الأساسي للطبقة العاملة ومصالحها.
نحن العمال لنا كل الحق في الدفاع عن حقوقنا ومكاسبنا ولنا الحق في استخدام الوسائل المشروعة التي أقر لنا بها الدستور و لنا الحق في أن نختار من يمثل مصالحنا ويدافع عنها معنا في النقابات، ومجلس الشعب، وعندها لن يضيع لنا حق، فهل نتوحد من أجل ذلك؟