النقابيون في اجتماع المجلس العام للنقابات نعم للحوار.. لا للتدخل الأجنبي.. نعم لمحاسبة الحكومة السابقة

نعقد اجتماع المجلس العام للاتحاد العام لنقابات العمال، والأزمة العميقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تضرب البلاد مازالت مستمرة وتتفاعل مكوناتها وتنتج مواقف مختلفة منها في كيفية الحل والخروج الآمن منها.

لقد ألقت الأزمة بظلالها على طبقات الشعب السوري، ومنها الطبقة العاملة السورية التي أصابتها آثار الأزمة، وتفاعلت داخلها، وهذا طبيعي لأن الطبقة العاملة السورية جزء لا يتجزأ من الحركة الشعبية، وإن لم تشارك مباشرة كطبقة بالحراك الجاري على الأرض، ولكن حراكها السياسي واضح، ويتمثل بالاستياء الكبير من السياسات الاقتصادية الليبرالية، واستشعارها لخطر هذه السياسات المبكر، حيث كانت تعبر عن ذلك من خلال موقف العديد من القيادات النقابية التي أبدت تخوفاتها الحقيقية على القطاع العام الصناعي والزراعي التي أخذت الحكومة السابقة على عاتقها تقليص دوره الريادي والقائد للاقتصاد الوطني بشكل عام، والسير به باتجاه يخدم مصالح قوى السوق داخل النظام وخارجه.

لقد أفقد القطاع العام عناصر قوته، وأصبح مترهلاً ضعيفاً، ينخر جسده الفساد والنهب وعدم الاهتمام بتطويره وتحسين أدائه، وهذا ما جعل الصوت النقابي يعلو، ويرتفع في كل اجتماع نقابي صغر أم كبر، مطالباً بضرورة إصلاح القطاع العام وتطويره باعتباره الضمانة الأساسية للصمود الوطني، وتحقيق نسب النمو الضرورية لخلق التنمية الكفيلة بتخفيف آثار الأزمات المستعصية كالبطالة والفقر، وتدني مستوى المعيشة، هذه الأزمات التي اعترفت بها القيادة السياسية التي حضرت اجتماع المجلس العام للنقابات، بأنها إحدى المسببات الرئيسية للاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي رفعت مطالبها المشروعة الاقتصادية والسياسية.

لقد اتسع صدر القيادة النقابية والسياسية التي حضرت اجتماع المجلس العام للنقابات على غير العادة للكثير من المداخلات التي تقدم بها أعضاء المجلس، وهي بمعظمها حمّلت هذه القيادات المسؤولية تجاه ما جرى من تطورات في الاقتصاد السوري لجهة موافقتها على ما كان يطرح من سياسات اقتصادية متطابقة مع توصيات صندوق النقد الدولي، ومتطابقة مع البرنامج الليبرالي التدميري الذي طرحته الحكومة وفريقها الاقتصادي، وطالبت القيادة السياسية بضرورة محاسبة الحكومة وفريقها الاقتصادي على ما اقترفته من آثام وجرائم بحق الاقتصاد الوطني وبحق مصالح الشعب السوري، وخاصة الطبقة العاملة السورية التي اكتوت بنار تلك السياسات الاقتصادية، حيث كان الهجوم على مكاسبها ومصالحها شديداً وشاملاً سواء في القطاع العام أو الخاص.

وقد تمحورت مداخلات النقابيين في هذا الاجتماع حول قضيتين أساسيتين وهما مدار نقاش واسع في المجتمع:

1- القضية السياسية: وقد تطرق المداخلون فيها للبرنامج الإصلاحي الذي طرحه النظام من أجل الخروج من الأزمة، وعلى رأس ذلك تغيير الدستور الذي من المفترض أن ينص على الحقوق العمالية بحيث تكون مصونة، ولم يشر إلى أية حقوق محددة لابد أن ينص عليها الدستور القادم، وخاصة في مداخلات القيادات. ونحن بدورنا نؤكد على ضرورة أن تكون حقوق الطبقة العاملة السورية مصونة ومؤكداً عليها في الدستور القادم، وخاصة حق العمال بالعمل الدائم، وحقهم بالإضراب والتظاهر السلمي دفاعاً عن حقوقهم، والتأكيد على استقلالية الحركة النقابية بقرارها وخطابها وممارستها باعتبارها الممثل الشرعي للطبقة العاملة، والخلاص من أية هيمنة سياسية عليها.

إن تثبيت ذلك في الدستور القادم يعني الضمانة الحقيقية لأداء الحركة النقابية ودورها الفاعل في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى والدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وحقوقها ومكاسبها، ودون ذلك لا يمكن الحديث عن مشاركة فاعلة للنقابات في مختلف القضايا، وهذا تثبته التجربة السابقة والحالية التي مرت بها الحركة النقابية في مواجهة السياسات الليبرالية، حيث كانت مقاومتها ضعيفة لتلك السياسات، ولم تستطع أن تقف في مواجهتها أو التخفيف من آثارها الكارثية.

2- القضية الاقتصادية: لقد طرح في هذا الخصوص الكثير من العناوين، وفي مقدمتها مطالبة العمال بأن تكون مطالبهم متوافقة مع الإمكانيات الحالية حيث الموارد شحيحة بسبب الأزمة الحالية والحصار المفروض على سورية، ولم يجر التطرق أبداً إلى الموارد الحقيقية من الأموال المنهوبة خلال العقدين السابقين، والتي تقدر بالمليارات من الليرات السورية، والتي باستعادتها يمكن إنعاش الاقتصاد الوطني وإيقافه على قدميه ليؤدي دوره المنوط به في مواجهة الحصار المفروض وتأمين المتطلبات الأساسية للشعب السوري.

وكان من اللافت طرح بعض العمال النقابيين ضرورة تأميم شركات النفط واستعادة انتاج النفط وطنياً، وهذه الخطوة التقدمية والضرورية تعكس الوعي المتقدم لدى الطبقة العاملة السورية والعديد من ممثليها، وهذا الموقف إذا ما تم تبنيه سيكون إحدى الحلقات الهامة في ضرب فاعلية الحصار الاقتصادي، وتأمين الموارد الضرورية التي ستلبي مطالب الطبقة العاملة.

لقد كان الاجتماع العام للنقابات هاماً بالعموم، فقد عكس موقف شريحة واسعة من النقابيين من مجمل القضايا الوطنية السياسية والاقتصادية، حيث أكد العديدون منهم على أهمية الحوار باعتباره الوسيلة الوحيدة للتفاهم الوطني والخروج الآمن من الاستعصاء الحالي للأزمة، ومواجهة التدخل الأجنبي بكل أشكاله العسكرية والسياسية لكي تبقى سورية موحدة بأرضها وشعبها..