عادل ياسين عادل ياسين

الأصوات النقابية الناشزة!!

الحراك الشعبي الواسع بشكليه: الاحتجاجي في الشارع، أو السياسي الذي يدور بين القوى السياسية والمجموعات والأفراد، وحتى في كل بيت، هذا الحراك الجديد في شكله ومضمونه، وغير المسبوق في تاريخ سورية المعاصر، لعب دوراً أساسياً في الفرز الحاصل داخل النظام والمجتمع، حيث فتح المجال أمام بداية حدوث اصطفافات واضحة على أساس رؤية كل طرف من الأطراف الداخلة في الحراك حول كيف سيكون مستقبل سورية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، نتيجة لهذا الحراك الدائر الآن.

لقد أوضحت الوثائق الصادرة عن اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين منذ عام 2000 وإلى الآن، واستناداً لرؤيتها السياسية وللقاعدة المعرفية لآليات الصراع، عالمياً وإقليمياً ومحلياً، وقوانينه، وخاصةً استشراف الخط السياسي للأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها الكارثية على الشعوب، أن استراتيجية الإمبريالية الأمريكية وحلفائها للخروج من الأزمة العميقة - وفقاً للاستراتيجيات والتنظيرات لعلماء السياسة والاقتصاد الإمبرياليين- لا مخرج منها إلا بالحرب، والاستيلاء على خزان النفط الكبير التي ستتحكم عبره، إن نجحت تلك المخططات، باقتصاديات العالم، وخاصة تلك الدول التي أصبحت منافِساً اقتصادياً لها، لذا فإن الإمبريالية وحلفاءها الداخليين يسعون لتفجير بؤر التوتر، وجعل هذه المناطق ساخنة، لتتمكن الإمبريالية الأمريكية من التدخل وفرض هيمنتها ووضع يدها على مصادر الطاقة، كما فعلت في العراق وليبيا، والحبل على الجرار. ومن ضمن التنبؤات الهامة التي أبرزها الخط السياسي للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين أيضاً، تنامي دور الحركة الجماهيرية واستعادتها لنشاطها وفاعليتها كأحد أشكال الرد على السياسات الاقتصادية الليبرالية التي تم تطبيقها وتفعيلها عبر المؤسسات المالية والسياسية الرأسمالية، حيث جرت أوسع وأعمق عملية إفقار ونهب للشعوب، ولم تسلم منها حتى الشعوب الأوروبية التي بدأت تأخذ زمام المبادرة في مواجهة النهب الذي تمارسه ضدها حكوماتها لمصلحة  قوى رأس المال.

إننا في سورية لا نخرج عن ذاك السياق الذي سارت به السياسات الاقتصادية الليبرالية، حيث عمقت الفقر، وفاقمت أزمة البطالة وغيرها من الأزمات، ما أوصل المجتمع لحالة لم يعد فيها قادراً على تحملها أو التعايش معها، وكنا نحذر دائماً عبر «قاسيون» من مخاطر السياسات التي تسير بها الحكومة وفريقها الاقتصادي، وأن ذلك سيؤدي إلى الاحتقان وتفجر الأوضاع بحيث لا يعود بالإمكان احتواؤها والسيطرة عليها، أو معرفة نهاياتها. وكنا نقول أيضاً إنه لابد من مواجهة تلك السياسات ومقاومتها وصولاً إلى إسقاطها كلياً، ومواجهة النهب الواسع الحاصل بسببها، مؤكدين أن ذلك سيخلق الموارد الضرورية من أجل تحقيق نسب نمو مرتفعة تؤمن التنمية الضرورية لحل تلك الأزمات عبر آجال زمنية محددة، ولكن لا حياة لمن تنادي، فوقع الفأس بالرأس، وأصبح الحراك الشعبي السلمي المنادي بالحقوق التي نُهِبت منه أمراً واقعاً، وبات من الضروري إنقاذاً للبلاد الاستجابة لهذه الحقوق المشروعة، الاقتصادية والسياسية، فالحراك الشعبي لم يعد قابلاً للعودة إلى الوراء، ولكن الكثيرين لم يقتنعوا بعد بضرورة التغيير عبر الحوار الواسع بين أطياف المجتمع، وأن الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي ستؤدي إلى تحقيق مصالح الشعب السوري، والحفاظ على سورية كوحدة جغرافية واحدة، وعلى الوحدة الوطنية للشعب.

إن بعض النقابيين لم يقتنعوا بعد عبر تجربة الستة أشهر الماضية من عمر الحراك الشعبي، أنه لابد من إصلاحات جذرية وسريعة سياسية واقتصادية، وأنه بدلاً عن ذلك، كما يطرحون، لابد من تشديد القبضة الأمنية والضرب بيد من حديد لإنهاء الحراك الشعبي السلمي، ولا حل غير ذلك. وامتداداً لهذا الموقف، فهم لا تتسع صدورهم لسماع أي رأي آخر يُطرَح في الساحة من أجل حلٍّ آمنٍ للأزمة العميقة التي تمر بها بلادنا، مطالبين بإسكات تلك الآراء والمواقف والصحف التي تعبر عن الموقف الوطني الضروري الذي يرى بعمق مخاطر تلك الطروحات والمواقف، ليس على الحراك الشعبي الاحتجاجي أو السياسي فقط، بل على سورية أرضاً وشعباً.

إن الحركة النقابية في سورية، تضم في صفوفها العمال السوريين، المنضويين بأحزاب، أو المستقلين الذين لا ينتمون لأحزاب، وبالتالي فإنه لا يمكن لحزب واحد، أو عدة أحزاب، أن يهيمنوا على قرار الحركة النقابية، وتجييِش أعضائها باتجاه قمع الحركة الشعبية الاحتجاجية والسياسية، لأن ذلك ليس من مهمات النقابات التي ناضل عشرات الآلاف من العمال المنضوين تحت لوائها من أجل أن تكون منظمة مدافِعة عن حقوق الطبقة العاملة السورية الاقتصادية والسياسية، وخاصةً ونحن نرى ما فعلته السياسات الاقتصادية الليبرالية بحقوق العمال ومكاسبهم، لدرجة أنهم أصبحوا يتعرضون للتسريح التعسفي بالمئات، بل وبالآلاف، دون أن يجدوا من يقف معهم ويدافع عن حقهم بالعمل الدائم وزيادة أجورهم وتعويضاتهم.

إن تلك الأصوات النشاز، التي تظهر هنا أو هناك في الحركة النقابية، لا مستقبل لها، وسيلفظها العمال مهما حاولت رفع صوتها مناديةً بمزيد من القمع للحراك الشعبي، وبمزيد من التضييق على القوى الوطنية الحقيقية، فمستقبل سورية أصبح مرهوناً بنجاح الحراك الشعبي السلمي، والقوى الوطنية والشريفة في الانتقال بالبلاد نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.