العمال المؤقتون بالمخابز في دير الزور ومشرعو الهيمنة والفساد
يمكن لأي متابع لما يجري في الوطن على مختلف الصعد أن يرى ببساطة أن ما تتعرض له سورية هي مؤامرة داخلية بالدرجة نفسها، لأن المؤامرات الخارجية لم تتوقف يوماً، ولا يمكن أن تنجح دون مؤامرة تنفذها القوى المتسلطة..
قوى الهيمنة والقمع والفساد والنهب، التي تستهدف المجتمع بجميع أطيافه كما تستهدف بنية الدولة بالتفتيت والتخريب على مدى السنوات السابقة والأخيرة تحديداً، وذلك تحت مسميات عديدة (شراكة، استثمارات، تطوير)، وغيرها من المسميات والتي رافقتها مراسيم وقوانين وقرارات دمرت اقتصاد الوطن وخاصة في القطاع الإنتاج الحقيقي الصناعي والزراعي، وأتاحت للفاسدين الكبار أن يتلاعبوا به وينهبوا كما شاؤوا فالأربعون حرامياً أصبحوا أربعمائة وأكثر في متوالية هندسية تزداد جشعاً وتخريباً كلما توسعت... بل كسرطان يلتهم كل الخلايا الحية، وتعدى ذلك لالتهام أغلب المكاسب التي حققها الشعب في العقود السابقة بتضحياته وبدمائه بعرقه وجهده.. كما تركوا أيضاً السرطانات الأخرى تنمو وتنتشر فكرياً وسياسياً واجتماعياً التي تنمرت.. هؤلاء المخربون الذين امتهنوا كرامة الوطن والمواطن في كل كبيرة وصغيرة... يجب محاسبتهم فوراً على ما ارتكبوه من فظائع، كما يجب تعريتهم وفضحهم علناً لارتباطهم المباشر وغير المباشر بأعداء الشعب والوطن.
فالمؤامرة على العمال بدأت بقانون العمل الموحد الذي أتاح لرب العمل فصل العامل دون بيان الأسباب ثم بقوانين الاستثمار، ومن ثم في مواد بالقانون خمسين، وبعدها بقانون العمل /17/، وما رافق هذه القوانين من تعليمات تنفيذية أفرغت كل ما هو إيجابي من محتواه، وصولاً لزرع الكره والحقد على القطاع العام (قطاع الدولة) والهجوم عليه ليسهل التهامه، وقمع كل من يعترض ناهيك عن سيطرة المتنفذين والفاسدين ودورهم...
آخر من لجأ إلى صحيفة «قاسيون» في الثلاثاء الماضي تاريخ 27/7/2011، بعد أن أضرت به تلك السياسات الليبرالية عمال المخابز المؤقتون في دير الزور، وقد ناشدوا وسائل الإعلام الرسمية والمحلية ولم يستجب لهم أحد.. بعد أن جاء قسم منهم إلى المحافظ وقدموا عريضة تطالب بتثبيتهم أسوة بغيرهم من العمال، خدمات جميعهم تمتد بين الأربع سنوات وأربعة عشر عاماً من العمل والإنتاج لتأمين لقمة الخبز وأمن الشعب الغذائي، كما لدى كل واحد منهم أسرة تعتاش على هذا الراتب.. وقد التقت «قاسيون» بالعمال المتضررين، وتابعت الموضوع مع نقابة عمال الصناعات الغذائية المعروفة بمواقفها الصلبة في الدفاع عن حقوق العمال ومكاسبهم..
إن قصة العمال بدأت حين طالبت النقابة بمسابقة لتعيينهم وتثبيتهم، وتقدموا بأوراق لترشيحهم عن طريق مكتب العمل في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل.. لكن الشؤون لم تفعل ذلك طيلة السنين حتى دخل إلى العمل المادة /162/ من قانون العمل خمسين، والتي تنص على: (يضاف إلى شروط التعيين في الفئة الرابعة بعد ست سنوات من نفاد هذا القانون أن يكون المرشح حائزاً على شهادة التعليم الأساسي)، أي الشهادة الإعدادية.. لكن المسابقة ذهبت أدراج الرياح، وضاعت معها آمال العمال وحقوقهم، وأصبحوا بكل بساطة دون طبابة وضمانات، ودون طبيعة عمل والحرمان من جميع الحقوق التي حققها العمال طيلة نضالهم بتضحياتهم وعرق جبينهم..
وفي هذه الأيام وبعد صدور قرار التثبيت أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة، ومنها الشركة العامة للمخابز التي أعلنت عن إجراء اختبار لملء الشواغر في المحافظة، بمقدار /94/ شاغراً من مختلف الفئات، وذلك بتاريخ 20/7/2011، بالكتاب رقم 963/509/3/5 وحدد يوم 28/7/2011، آخر موعد لتقديم الطلبات، ثم مدد التقديم إلى 8/8/2011، كما حددت الشروط اللازم توفرها، وأهمها أن يكون المتقدم قد أتم الثامنة عشرة، ولا يتجاوز الخامسة والثلاثين، وذي بنية جسدية سليمة، وأوراق أخرى منها شهادة قيد عمل من مكتب التشغيل، والشهادة العلمية والتي حسب المادة /162/ من القانون /50/ طبقت عليهم على أن يكون حاملاً لشهادة التعليم الأساسي.
إن الشروط التي طلبتها الشركة تحرم أغلب العمال الموجودين من التثبيت، وبالتالي من عملهم، خاصة ما يتعلق بشرطي السن والشهادة، مما يعني تعيين عمال جدد بدلاً عنهم، وهنا لا نقصد الإساءة لأي باحث عن عمل لأننا مع حق أي مواطن في العمل سواء الموجودين على رأس عملهم، أو العاطلين عن العمل الذين حرموا من الفرص نتيجة السياسات الاقتصادية الاجتماعية المسيئة بحق الشعب والوطن التي طبقت في السنوات الأخيرة، والتي لم يحاسب منفذوها إلى الآن، وخاصة الحكومة السابقة وطاقمها الاقتصادي وعلى رأسهم النائب السابق عبدالله الدردري...
لقد رفعت نقابة عمال الصناعات الغذائية مذكرة إلى اتحاد عمال دير الزور، والذي بدوره حولها إلى الاتحاد العام بتاريخ 24/7/2011، والتي تتضمن شكوى العمال المؤقتين والمطالبة باستثناء جميع العاملين من شرط العمر كون هؤلاء العمال أصبحت لديهم خبرات، وطبيعة عملهم طيلة الفترة السابقة لا تتطلب ذلك.. ولم تستطع النقابة المطالبة باستثنائهم من شرط الشهادة كون العمل بالمادة /62/ ساري المفعول.
وهنا أيضا لابد من التنويه لما يتعرض له عمال معمل السكر والصوامع والحبوب من ضغوطات العمل، واتهامات بعض المزارعين الذين يوردون إنتاجهم لهذه المؤسسات سواء بفرض نوعية الإنتاج أو بطريقة استلامه، نتيجة لغياب المسؤولين، والأجهزة الرقابية، وغيرهم ممن يدعون غيرتهم على أمن الوطن، وتهربهم من مواجهة المواطنين وحقوقهم... بينما يكونون وحوشاً على المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة بالاعتقال والتعذيب وغيرها.. لاشك أن معاناة الفلاحين كبيرة، وكذلك العمال والذنب ليس ذنبهم فهم أيضاً مضطهدون ومستغلون.
وبعد.. لا شك أن معاناة عمال المخابز هي معاناة كل العمال المؤقتين في مختلف القطاعات الإنتاجية بالدرجة الأولى، وكذلك بقية القطاعات الأخرى، ولا شك أيضاً أن الانتقاص من الحقوق بدأ قبل أن تلغى المادة الثامنة من الدستور، والتي لم تلغ إلى الآن، وإن تخفي بعض الفاسدين وراءها لم يعد ينطلي على أحد، وخاصة أصحاب الحقوق من العمال.. بل وأن المسألة لم تعد مسألة المادة الثامنة فقط. فنحن بحاجة لإسقاط نظام الفساد المستشري.. بحاجة لدستور جديد ونظام جديد.. بحاجة لتغيير جذري وشامل، بحاجة إلى حراك سياسي عمالي يساند الحراك السياسي الشعبي وبمساندة القوى الوطنية الشريفة أينما كانت من أجل تحقيق التغيير الجذري، ونسف كل السياسات السابقة والقائمين عليها، والمؤلفة قلوبهم والفاسدين الكبار والتجار، ومحاسبتهم علناً على ما ارتكبوه بحق الوطن والمواطن. لقد بات الوطن بحاجة إلى نظام ديمقراطي بقانون أحزاب، وانتخابات وإعلام تتيح فيه المشاركة والتعبير عن الرأي، والوقوف في وجه كل مستبد وظالم ومستغل، بتنا بحاجة إلى نظام يحمي الوطن، ويحرر الجولان المحتل وكل الأراضي المغتصبة، ويحقق العدالة الاجتماعية التي هي الاشتراكية الحقيقية من خلال إعادة توزيع الثروة، نظام يعيد لسورية دورها التاريخي والحضاري والإنساني، ويحقق كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار، وكل ما عدا ذلك من حلول ترقيعية فهو باطل... باطل... باطل...!!