بصراحة: بعد مرور خمسة وأربعين عاماً على صدور قانون التأمينات: ملايين العمال خارج مظلة التأمين!!
حققت الطبقة العاملة السورية عبر نضالها الطويل، ومنذ بدايات القرن الماضي، العديد من المكاسب الشرعية، وأدخلتها كبنود أساسية في مختلف التشريعات والقوانين الناظمة لقضايا العمل والعمال، وفي مقدمتها قانون العمل رقم /91/ لعام 1959، وقانون التأمينات الاجتماعية رقم /92/ لعام 1959، حيث جاء القانون الأول متضمناً المواد والمبادئ التي تتعلق بحقوق العمال وأرباب العمل في القطاعين العام والخاص، ومحدداً الصيغة القانونية في العلاقة بينهما، وقد تمًّ تطبيق هذا القانون ومواده خلال مراحل عديدة، تم فيها تصنيف العمال إلى نموذجين، وتمت معاملتهم على هذا الأساس. حيث أكد القانون، فيما يتعلق بالنموذج الأول من العمال، على تشميل أصحاب العمل الذين يستخدمون أكثر من خمسة عمال، ليصبح عمالهم مشمولين بمظلة التأمينات كلها، بحيث يدفع العمال 7% من أصل راتبهم الشهري، ويدفع أصحاب العمل 14%، وأن يتم اقتطاع نسبة تتراوح بين 2-3% عن إصابات العمل.
أما بالنسبة للعمال المصنفين في النموذج الثاني، الذي يشمل أصحاب العمل الذين يستخدمون أقل من خمسة عمال، فهؤلاء مشمولون فقط بإصابة العمل والأمراض المهنية الأخرى التي يتم كشفها، ويدفع أصحاب العمل عن عمالهم في هذه الفئة 3% فقط من الاشتراك التأميني، وعلى أساس راتب العامل.
ولكن تم تمرير نقطة خطيرة في القانون بحيث لا يحق لهذه الفئة من العمال الحصول على المعاش التقاعدي، على الرغم من أن المادة 3 من القانون صريحة وواضحة، حيث نصت على ما يلي: «على وزير الشؤون الاجتماعية أن يتخذ الإجراءات التي تكفل تطبيق هذا القانون، بحيث يشمل جميع فئات العمال، لتطبيق التأمين الصحي والاجتماعي خلال سنة، وتأمين البطالة خلال ثلاث سنوات، من تاريخ العمل بهذا القانون».
وعلى الرغم من أن القانون قد مضى على صدوره خمسة وأربعون عاماً، فإن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ما زالت ماضية في تخبطاتها، فحتى الآن ما يزال لدينا أكثر من مليون عاطل عن العمل، والعدد في ازدياد من سنة لأخرى، نتيجة القادمين الجدد إلى سوق العمل. ومازال أصحاب العمل من جهة ثانية، ورغم كل التسهيلات التي قدمتها الحكومة لهم، مستمرين بحسم النفقات العامة من أصل أرباح المؤسسة، ويتهربون من تسجيل عمالهم بمزايا التأمين.
إن بعض الإحصائيات تقدر أن عدد المسجلين من عمال القطاع الخاص في التأمينات لا يتجاوز20% من عدد العمال في هذا القطاع، والذين يقدر عددهم الآن بـ 4.5 ملايين عامل، وتقدر أرقام إحصائية أخرى وجود حوالي 3.5 ملايين عامل محرومين من التسجيل في التأمينات الاجتماعية. وهم يعانون الأمرين، بسبب تهرب أصحاب العمل من تسجيلهم، والذي يؤدي إلى خسارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عشرات المليارات، مما ألحق ظلماً وإجحافاً كبيرين بالعمال.
ورغم فداحة الإحصائيات المذكورة أعلاه، فإنها لا تشمل بأرقامها العاملين في قطاع الزراعة، باعتبارهم غير مشمولين بالتأمينات الاجتماعية، ولعل قضية هؤلاء العمال بحاجة إلى دراسة وإعادة نظر من الحركة النقابية التي تتلخص مهمتها الأساسية في الدفاع عن حقوق العمال أينما وجدوا، ففي هذا القطاع هناك عمال مصنفون ضمن النموذج الثاني، وحرموا من مزايا التأمينات الاجتماعية، خاصة حقهم في الاستفادة من تعويض البطالة، والتقاعد في سن الشيخوخة، كما ذكرنا سابقاً، بذريعة أن أعمالهم ذات طبيعة مؤقتة وعرضية، بينما هم في الواقع يمارسون أعمالاً ذات طبيعة دائمة.
يجري كل هذا في الوقت الذي نجد فيه أن لمؤسسة التأمينات الاجتماعية ديوناً مترتبة على جهات عديدة في القطاع العام، تبلغ قيمتها مليارات الليرات السورية ، فمديرية التأمينات الاجتماعية في محافظة درعا وحدها لها من الديون المترتبة على جهات القطاع العام في المحافظة ما يزيد عن 3.2 مليار ليرة سورية، موزعة على الشكل التالي: 2.565 مليار على جهات القطاع العام الإداري، 354.452 مليون على جهات القطاع العام الاقتصادي، 308.331 مليون على جهات القطاع العام الإنشائي. وكل هذه الأموال مقتطعة بشكل مباشر من الأجور الهزيلة لعمال المحافظة!!
إن التبريرات الواهية التي تقدمها وزارة العمل ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، لم تعد تستطيع إقناع الطبقة العاملة السورية التي أصبحت أكثر وعياً وحرصاً على مكتسباتها التي انتزعتها بقوة نضالاتها طوال هذه السنين، هذه المكتسبات التي تكللت بالقوانين التي نصت بصراحة على استفادة جميع العمال من كل مزايا التأمينات الاجتماعية، ومعاملتهم حسب القانون.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.