بصراحة العمال المؤقتون و«التثبيت»: كثر الطباخون... فاحترقت الطبخة!!
يبدو أن قضية العمال المؤقتين ستدخل ضمن المتاهة البيروقراطية الشهيرة التي استقبلت من قبلها الكثير من القضايا التي لا تزال عالقة بين الجهات المختلفة في الدولة، فعلى الرغم من صدور العديد من التعاميم بخصوص تثبيت العمال المؤقتين منذ عام 2005، إلا أن حل هذه المشكلة لم ير النور، الأمر الذي أثار حفيظة الاتحاد العام لنقابات العمال في أكثر من مناسبة، فعندما صدر التعميم الأول عن رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 28/12/2005 رقم (9208/15) الذي نصَّ على تثبيت العمال المؤقتين الذين يتمُّ ترشيحهم بموجب ترشيحات أصولية من مكاتب التشغيل، تنفس العمال الصعداء، إلا أنهم تفاجؤوا بالشرط الذي يؤكد على توفر الشاغر والاعتماد. مما يدعونا للتساؤل: لماذا يتم ترشيح عامل بصفة مؤقت لأية جهة إذا لم يكن هناك بالأصل شاغر، وإذا لم يكن الاعتماد متوفراً؟!!
وهكذا دخل العمال المؤقتون دوامة الشروط إلى حين صدور آخر تعميم عن مجلس الوزراء تحت الرقم /5659/15 تاريخ 17/9/2008 الذي ألغى الشروط المتعلقة بالترشيح عن طريق مكاتب التشغيل، لكنه أبقى شرط توفر الشواغر والاعتمادات، حيث بقيت المشكلة على حالها دون أي حل، ولم يحقق العمال من تلك التعاميم أي مكسب يذكر. من جهة أخرى تصرُّ وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من خلال تصريحاتها الصحفية على أنها ليست جهة وصائية أو رقابية على أداء الجهات العامة، بل هي جهة وسيطة بين سوق العمل والجهات الطالبة في القطاعات الثلاثة، وما على العمال إلا محاسبة المديريات والمؤسسات التي تقصر في أداء الدور المنوط بها في الدفاع العمال، ليجد العمال المؤقتون في النهاية أنفسهم ضمن حلقة مفرغة، وضائعة بين الجهات المختلفة، من وزارات ومؤسسات وإدارات، وهكذا كثرت الاجتهادات والأيادي والطباخون فاحترقت الطبخة، على حساب سنوات العمر التي قضاها هؤلاء في تلك الإدارات.
وما زاد الطين بلةً أن البعض فسَّر التعاميم على هواه، كما حصل بموضوع «التسوية»، عندما اعتقد البعض بأنها تعني إعادة تعيين العامل المؤقت، مما سبب خسارة العامل لكل ترفيعاته السابقة التي نالها عن سنوات الخدمة، وجزءاً محترماً من راتبه، أما موضوع «الملاكات» فما زال الجدل يطوقه من كل الجهات، على الرغم من صدور تعميم واضح من رئاسة مجلس الوزراء بأن تحدد كل جهة من الجهات الحكومية خلال فترة محددة رقماً نهائياً للملاكات العددية في كل دائرة، والغريب في الأمر أن الفترة المحددة انتهت بالتمام والكمال، ولم يلتزم أحد بنصِّ التعميم، ومع ذلك لم تحرك الحكومة ساكناً لمحاسبة أحد، وبقي التعميم في دروج تلك الجهات دون وجه حق!!
والأنكى من كل هذا أن الحكومة والجهات العامة تعلمان علم اليقين أن العمال المؤقتين لم يحققوا من القانون رقم /8/ لعام 2001 أي مكتسب يذكر حتى عام 2005، تاريخ نفاذ القانون /50/ لعام 2004.
وهكذا فإن كلمة «التسوية» أصبحت القشة التي قصمت ظهر البعير، بسبب الاختلاف في تأويلها، فوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مثلاً مبرراتها جاهزة عند كل مؤتمر أو لقاء يثار فيه موضوع العمال المؤقتين، ودائماً نجدها تماطل وتخفي نفسها بالفقرة /ب/ من المادة /148/ من القانون الأساسي للعاملين في الدولة، والتي تنصُّ على أن: «الاستخدام المؤقت مهما حدد أو جدد لا يتحول إلى استخدام دائم، وتنتهي مفاعيل العمل به بانتهاء الصكوك الناظمة له، إلا إذا حددت وجددت أصولاً».
إن جميع المؤتمرات النقابية أكدت على ضرورة تثبيت العمال المؤقتين، وعدم التنازل عن هذا الحق مهما كانت الظروف، خاصةً إذا علمنا أن الدولة لن تخسر شيئاً من عملية تثبيت عمال كانوا ومايزالون على رأس عملهم طيلة سنوات عديدة، وهم عملياً دائمون، ومؤقتون على الورق فقط. إنه مطلب محق مازال يواجه الكثير من المطبات، فهل سيشهد العمال ذلك اليوم السعيد الذي يتم فيه تثبيتهم، أم أن فوضى القوانين والاجتهادات ستفعل فعلتها وتحرمهم من تحقيق ذلك الحلم المشروع؟!!
يذكر أن عدد العمال المؤقتين في سورية، وفقاً لأرقام المكتب المركزي للإحصاء، قد بلغ حتى منتصف العام الماضي /779923/ عاملاً، يتوزعون على القطاعات الثلاثة، بالإضافة إلى كل عامل يعمل خارج إطار المظلة العمالية، ودون عقود أو تسجيل، وهؤلاء العمال يعيشون في حالة خوف دائم من التسريح أو الفصل في أية لحظة!!