إجراءات ما قبل الأزمة.. هل سرّعت بانفجارها؟
صندوق المعونة الاجتماعية، المراسيم التشريعية، قرارات التوظيف، المئة مليار لجر مياه دجلة، العفو العام «نسبياً»، تخفيض مدة الخدمة الإلزامية..
صندوق المعونة الاجتماعية، المراسيم التشريعية، قرارات التوظيف، المئة مليار لجر مياه دجلة، العفو العام «نسبياً»، تخفيض مدة الخدمة الإلزامية..
تتدفق علينا اليوم سيول من الرسائل والشعارات، التي تنادي بكلمات مجرّدة وغامضة مثل «الديمقراطية»، و«الحرية»، و«حقوق الإنسان»، وهي الكلمات الأكثر تكراراً على وسائل الإعلام الكبرى، وخاصة ذات التمويل الدولاري والبترولي. والملفت للانتباه والمريب في الوقت نفسه أنّ أغلب الأحداث الأخيرة التي جرت في بلدنا، وحسب المعلومات المتوفرة حتى وقت كتابة هذا المقال، تمّ فيها رفع هذه الشعارات بشكل أساسي وبهذا الشكل المجرد بالذات، ولم تحتلّ الشعارات التي تعكس مطالب معيشية واجتماعية مكان الصدارة، وفي أغلب الحالات لم تذكر أصلاً، رغم أنه عادة ومنطقياً يفترض أن تكون الشعارات الاقتصادية-الاجتماعية هي المتوقعة من التحركات العفوية للفقراء والعاطلين عن العمل والمهمشين؟ والأخطر من هذا وذاك، أنه لم يُذكر أيّ شعار وطني واضح، كما هو متوقع أيضاً من تحرك عفوي لشعب لديه أرض محتلة وله تاريخ عريق في الممانعة والمقاومة!
تسارعت أحداث الثورة العربية، وزاد من منسوبها، وحراكها، وامتدت ساحاتها لتشمل عموم الوطن العربي دون استثناء، برغم الاختلافات في الظروف، والقوى والتوازنات والأولويات، واحتمالات تطوراتها ومسارات أحداثها، وفي تعميم وانتشار الثورة على هذا المستوى والاتساع أسئلة كثيرة، واستنتاجات أكثر، ولو أن المعرفة لم تبلغ القدرة على الإحاطة بكلية العملية الثورية الجارية ولا هي قادرة على رسم سيناريو مستقبلها يزيد في الارتباك والتضليل الإعلامي المنهجي، وهيمنة وسائل إعلامية ممولة ومملوكة من جهات معروفة الولاءات والاستهدافات إلى ضعف الإعلام الوطني والقومي والثوري بكل صنوفه ومستوياته، وترهل الإعلام الرسمي إلى الحد القاتل، وابتلاء الإعلام المقاوم بالعصبيات والفصائلية.
التشابه ليس قليلاً بين الاقتصادات العربية عموماً، وبين الاقتصاد المغربي والسوري خصوصاً في طبيعة التوجهات، فالنيوليبرالية قبضت على مفاتيح الاقتصاد المغربي، وتم تنفيذ وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، ولجأ المغرب إلى الاستدانة، ولكن الأهم، وهو ما نريد الحديث عنه، المثمثل بالنزوع إلى الخصخصة للقطاعات الأساسية، وقطاع الاتصالات أحدها..
عدلت وزارة المالية عن موقفها تجاه تطبيق الضريبة على القيمة المضافة، والذي تجسد بإعلان د. محمد الحسين أن المالية ليست متعجلة في تطبيق ضريبة القيمة المضافة قبل توفر المستلزمات والظروف لتطبيقها، وهذا الإعلان- الايجابي- يخالف ما أكدته وزارة المالية في مرات عديدة أنها ستطبق هذه الضريبة في العام 2010، وهذا الاختلاف أو بالأحرى التراجع المدعم بالدعوة للتريث في تطبيق هذه الضريبة يطرح العديد من التساؤلات، فهل المستلزمات والظروف كانت مؤاتية ومهيأة لتطبيقها في السابق؟! وما الذي تغير؟! وهل استفاقت وزارة المالية لأن المستهلك النهائي هو الخاسر، أم هو استيقاظ مؤقت فقط ولـ«ذر الرماد في العيون»؟!
أكد استشاري المصارف والتمويل د. محمد أيمن الميداني أن البورصة السورية بشكلها الحاضر لا تمثل الوجه الحقيقي للاقتصاد السوري، موضحاً أن الاقتصاد السوري يتألف من عدد كبير ومتنوع القطاعات، ولكن التمثيل الأهم في سوق دمشق للأوراق المالية حالياً هو للمصارف.
في لحظات معينة من تاريخ الشعوب والدول، يجب التوقف، إن لم نقل يجب الانعطاف، والنظر بجدية إلى الخلف، إلى الطريق التي سرنا عليها طويلاً، وتفسير ملامحها وصفاتها، والنتائج التي أوصلتنا إليها. وبناء على دراسة معمقة وشفافة وصادقة لكل ذلك، يجب صياغة الرؤية الرشيدة والملامح الجديدة لمتابعة الطريق، فما أفضى إلى خير الشعوب الكريمة المناضلة وتطورها ونموها، وحافظ على كرامة مواطنها وحريته وأمنه وحريته ولقمة عيشه المريحة المكرمة، أبقينا عليه وعززناه، وما أفضى إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وهدد كرامة المواطن وحريته، وسلبه الأمن والأمان والاستقرار، وصعَّب عليه لقمة عيشه، نبذناه وقطعنا معه قطعاً كاملاً، وانعطفنا نحو خطط إسعافية سريعة لتعديل كفة الميزان، وجعل مصلحة المواطن في العيش الكريم والحفاظ على كرامته، وحقه في التعبير والكلمة الحرة، وتحقيق تطوره ونموه على كل الأصعدة، هي الأولوية في المخططات القادمة.
يتحرك الأفراد ضمن المجتمع على ضوء هدي الكثير من المفاهيم والتصورات التي يشكلونها عن أنفسهم وعمّا حولهم، وتنبع أهمية تلك التصورات من درجة الأمان والثقة التي تمنحها لهم بوصفها الأساس الذي يبنون عليه أفكارهم واتجاهاتهم ومواقفهم.
يستطيع أي شخص يعيش في سورية أن يلاحظ تدهور الأوضاع المعيشية وانعكاساتها الاجتماعية الخطيرة، مما يفرض وبقوة في ظل الأحداث الداخلية وفي ظل التغيرات الإقليمية والعالمية، ضرورة القيام بإصلاحات اقتصادية تخفف من حدة التوترات الاجتماعية وتزيد من المناعة الوطنية.
إن استمرار أي نظامٍ سياسي, محكوم بدرجة الرضا التي يحققها للجماهير. وحين يتراكم القهر وعدم الرضا, وبتوفر ظرف عالمي مناسب، فإن النظام, أي نظام كان, سينهار. هذا ما أثبتته الحياة, وما تثبته الحياة يتوقف النقاش حوله. الواهمون فقط، والنائمون على أكاليل انتصارات غابرة، هم من يحسبون أن الحياة قد تراجع أقوالها, لمرة واحدة, كرمى لخاطرهم، ويغامرون بأخذ البلاد والعباد نحو مخاضات أليمة قد تشوه الوليد الجديد وتضطر الشعب لوأده والدخول في مخاضات أخرى ريثما يأتي الجديد الحقيقي..