ميخائيل عوض ميخائيل عوض

العرب.. في ثورة أم في ثورات؟؟ التدخلات الخارجية ومحاولات إجهاض الثورة العربية

تسارعت أحداث الثورة العربية، وزاد من منسوبها، وحراكها، وامتدت ساحاتها لتشمل عموم الوطن العربي دون استثناء، برغم الاختلافات في الظروف، والقوى والتوازنات والأولويات، واحتمالات تطوراتها ومسارات أحداثها، وفي تعميم وانتشار الثورة على هذا المستوى والاتساع أسئلة كثيرة، واستنتاجات أكثر، ولو أن المعرفة لم تبلغ القدرة على الإحاطة بكلية العملية الثورية الجارية ولا هي قادرة على رسم سيناريو مستقبلها يزيد في الارتباك والتضليل الإعلامي المنهجي، وهيمنة وسائل إعلامية ممولة ومملوكة من جهات معروفة الولاءات والاستهدافات إلى ضعف الإعلام الوطني والقومي والثوري بكل صنوفه ومستوياته، وترهل الإعلام الرسمي إلى الحد القاتل، وابتلاء الإعلام المقاوم بالعصبيات والفصائلية.

 

نقاط ضعف واختراق

التغطية الإعلامية صارت عبئاً على الثورات ذاتها وعلى قواها الثورية، وغدت بعض المحطات تتصرف وكأنها صاحبة الثورة، والمقرر عنها وفيها، والمحدد لأهدافها واستهدافاتها، ورموزها ولخيارات الشعوب، تضخم من الأحداث وتستدعي على عجل تدخلات امبريالية عدوانية بحجة حماية الناس وحقوقهم المشروعة، بينما صواريخ الكروز الأمريكية والتوماهوك دكت الأحياء الشعبية وقتلت الكثير من الناس على ما قتلته الاشتباكات الليبية.

والحالة الثورية التي تمر بها الأمة العربية بطبيعتها وطابعها وآلياتها تمثل بيئة رخوة وطرية يحاول الكل الاستثمار فيها، بما في ذلك الغرب الامبريالي وأدواته المحلية والإقليمية، مضافاً إلى تلك العوامل ضعف وتراخي ودفاعية قوى المقاومة ونظمها التي كان لتضحياتها ولصمودها دور تأسيسي في توفير بيئة الثورة واتساع رقعتها، فحاولت بقايا النظم العربية السائدة الاستثمار في الثورات ومعاناة الشعوب فاستولدت الجامعة العربية تدخلا امبرياليا غربيا في ليبيا بمشاركة من قطر والإمارات «يا للهول صارت قطر والإمارات دول عظمى تساهم في غزو الدول الأخرى».

كما تركت الفرصة لقوى ونظم إقليمية للعبث بالاستقرار ودفع الأمور إلى حافة الانفجار الشامل في الإقليم عندما سارع تحالف الدول الخليجية للتدخل العسكري السافر في البحرين واليمن، وقامت القوات السعودية بإزالة اعتصا م ساحة اللؤلؤة في البحرين، وأرسلت قوات عسكرية على عجل إلى ميناء عدن وخصصت 20 مليار دولار لدعم النظم المتهالكة وحمايتها بالأموال وبالقوات العسكرية والغزوات المباشرة في سابقة عربية لم تسجل إلا في ليبيا والبحرين واليمن، بعد سابقة تغطية العرب للحلف الاستعماري الغربي في العراق وفي حرب عاصفة الصحراء وحرب غزو العراق وتدميره..

أسئلة كبرى

اللوحة متلونة بألوان كثيرة غارقة في غبار ودخان صواريخ التوماهوك والكروز، والحرب الأهلية في ليبيا، وتحت خطر الحروب الأهلية في الخليج واليمن..

هل يمكن فهم الجاري وتفكيك ألغازه؟؟ هل هي ثورة عربية أم ثورات؟؟

من سينجح في احتوائها والاستثمار فيها؟؟ العرب أنفسهم؟؟ أم يصيبهم ما أصابهم في القرن الماضي وتتبدد ثورتهم، وتذهب أمتهم إلى مزابل التاريخ الإنساني..

أسئلة كثيرة، ومن العيارات المختلفة، والواجب الراهن أن تجري مقاربتها ولو بالخطوط العامة العريضة:

إنها ثورة عربية بامتياز، بشراً، وروحاً، ولغة، وأداء، ومصالح، واستهدافات، وجغرافية وسعياً إلى المستقبل، وفي بنيتها، وبنية القوى التي ثارت والنظم وأحلافها التي تثور عليها، لا تنتقص منها أنها جاءت بالتقسيط أو بالمفرق، فتقسيط الثورات أمر عملي، وواقعي بسبب التقسيمات الاستعمارية للوطن والأمة، وابتلائها بنظم ونخب أقلوية حكمتها على قواعد المصالح القطرية الضيقة، وبالولاء والاتكال على الغرب وأداته إسرائيل في المنطقة، وتساندت طيلة عهودها معهم تحميهم وتحتمي بهم، ولو أن الأمة كانت موحدة في دولتها الواحدة لكان إيقاع ثورتها سيأخذ طابع التقسيط ككل ثورات الأمم، فلم تحصل ثورة من قبل دفعة واحدة وفي كل مساحات الأمة وبين كل فئاتها وبلحظة واحدة فاختلاف المناطق ومساحاتها الشاسعة واختلاف التشكيلات تؤثر في آليات انتظام العمل الثوري وأمكنة وقوى إطلاقه ثم تأتي المناطق والحواضر والقوى الأخرى إليها بالتتابع وبعد زمن، وهذا ما يجري في بلاد العرب دلالة على أنهم أمة واحدة قضيتهم واحدة ومعاناتهم واحدة وأهدافهم واحدة ومستقبلهم واحد وعدوهم واحد.

ابتليت الثورة العربية الجارية بكل ما ابتليت به الثورات العظيمة في تاريخ الإنسانية، فالقديم بكل أطيافه، وقواه، وعناصره سيحاول وأد الجديد والتأمر عليه والتدخل السافر في شؤونه بما في ذلك التدخل العسكري المباشر وسيجد الخارج أدوات محلية له ودعاة، وقوى تستدعيه، هذا ما كانت عليه الأحداث اللبنانية منذ مطلع السبعينيات حيث استهلكت الأزمة تدخلات خارجية وعسكرية من كل شكل ولون، وهذا ما أصيبت به الثورة الإيرانية من توحد نظم المنطقة والعالم خلف صدام حسين للتدخل العسكري في مواجهتها واستنزافها سنوات وتكليفها الأموال الباهظة والزمن الكبير، نفس ما ابتليت به الثورة البلشفية من قبل يوم توحد العالم القديم مع أدواته الروسية وفرض حرباً أهلية مديدة ثم حربين عالميتين، وقبلها ابتليت الثورة الفرنسية بذات البلوى، وتاليا لا ينتقص من عروبة الثورة، ومن عزمها، ومن مستقبلها ان تقع تدخلات خارجية سافرة على شاكلة غزو في ليبيا والبحرين واليمن وربما غدا في ساحة ثالثة ساعة تشتعل ثورتها وتهدد عمق المصالح الغربية وأدواتها..

دور أنظمة الخليج..

 إن تقدم دول مجلس التعاون الخليجي على إرسال قوات عسكرية وأمنية وأموال للنظم والممالك المتهالكة في محاولة لحمايتها وتعويمها يعني ذلك عمليا تكريس حقيقة وحدة النظم، واستعجالها معالجة مشكلاتها الثنائية، والوقوف صفا واحدا دفاعا عن مصالحها، ما يؤكد أن الأمة واحدة وثورتها واحدة وواجباتها أن تستعجل وحدتها العملية في التعامل مع النظم التي توحدت والرد عليها بالوحدة شعارا وممارسة، وتفاعلا، كما يعني تشريع التدخل الخليجي على هذا النحو في اليمن وفي مسقط والبحرين مؤشرا إلى أن مستقبل تاريخ المنطقة يبدأ بتسجيل حالة سقوط تقسيمات سايكس بيكو وأخواتها على يد النظم نفسها، والتأسيس للوحدة الوطنية للأمة في دولتها الوطنية مهمة تتقدم لتكون أولوية على جدول أعمال الثورات إن هي قررت الاستمرار والانتصار.

وبالقدر الذي وسعت فيه السعودية من تدخلها لحماية النظم المتهالكة بقدر ما تستدعي الثورة إلى بيئتها المباشرة، وتزيد من أعباء النظام ونفقاته وتعرضه لنزف حاد لا يقوى على تحمله مع اعتمال عناصر الثورة في البنية السعودية نفسها، والتدخل في الساحات الأخرى يشرع لمن يريد أن يتدخل في الساحة السعودية نفسها المهيأة للفعل الثوري والملاصقة لحريق ثوري متسارع أثره كبير كما تشي الأحداث والتطورات الأخيرة في اليمن وهي بيت قصيد الثورة ونقطة ارتكاز التحولات الإقليمية المرتقبة التي ستسهم نوعيا في تغيير ايقاع الثورة العربية واتجاهاتها وتخل بموازين القوى بين الثورة واعدائها في الداخل العربي وعلى الضفاف ومع المشروع الأمريكي- الصهيوني -الأوروبي، وعندها سيكون السؤال الصعب على القيادة السعودية: وماذا يمكنها أن تفعل؟؟ ومن هي الجهة القادرة عمليا على التدخل في السعودية نفسها...؟

وماذا عن سورية؟

 كما في سابق الثورات وعلى طريقتها التقليدية ستحاول القوى المهزومة، والقوى المهددة، والقوى الدولية أن تعبث بالثورات، وأن تؤثر على مساراتها وان تقطع رأسها وان تهرب مفاعيلها الثورية العظيمة بإشغالها في أزمات ثانوية، وفي حروب طائفية ومذهبية وجهوية ومناطقية واثنية، وستتقن عملية الاصطياد بالأخطاء، وبالأزمات، وكسب الوقت وتستثمر في بطء التحولات الثورية والإصلاحية في حلف المقاومة والممانعة، وتستثمر في حالتها الدفاعية إن هي تسمرت عندها، والدليل الإضافي ما جرى في درعا السورية وما يعد لسورية، وما سيكون في القريب الآتي حيث وضعت أحداث درعا سورية نفسها على عتبة التحولات التاريخية الكبرى، فإما أن تكون سلبية في تمكين القوى المعادية لتفكيك سورية ودفعها إلى الاحتراب الأهلي وإقعادها عن مهماتها الوطنية والاجتماعية، أو هي ستكون الشرارة الثورية التي تدفع بالقيادة السورية لإنجاز مهام الثورة من فوق لملاقاة الحركة الثورية العربية وإعادة تفعيل إحداثيات العمل الثوري العربي بتعزيز الهجومية، والدعوة للوحدة العربية، والتركيز على التحرر الوطني والقومي وإنهاء التشرذم والانقسام والاحتلالات، وتقديم نموذج تنموي اجتماعي بديلا عن الليبرالية والمسألة باتت مسالة وقت ومن يستطيع الاستثمار فيه وبأية إجراءات ورؤية لا تبدو أنها غائبة عن تفكير ومخطط حلف المقاومة والممانعة..

 والجاري في سورية كان قد تأسس له في لبنان وفي البحرين، وعلى يد الجهات والأموال والوسائل الإعلامية نفسها، والحال اللبنانية مع تصعيد فريق 14 آذار ضد السلاح والنفخ بالمذهبية والطائفية، ومحاولات جر البلاد إلى فتنة على إيقاع ضرب ليبيا بالصواريخ الأمريكية - الأوروبية، واجتياح البحرين بدرع الجزيرة، ومحاولة الاصطياد بأحداث سورية، عناصر ومحاور الهجوم المضاد وسنياريوهات استراتيجيات القوى المضادة للثورة تفعل أدواتها وآلياتها في عموم الساحات بالتساوق والتنسيق وبإدارة واحدة تملي المواقف والشعارات والتصرفات ما يؤكد من جهته وحدة القوى المضادة كوجه من وجوه الأحداث والتطورات التي تعزز مقولة إنها ثورة عربية وليست ثورات..

السؤال الأخير

هل ينجح حلف القوى المضادة في إجهاض الحالة الثورية وجرها إلى أزمات واحترابات؟؟

سؤال يبدو الجواب عليه قاطعاً بالنفي من ظاهر المعطيات الوافرة، أما إذا كان الزمن يخبئ للعرب ما هو غير سار فتلك مسألة أخرى لن يطول اكتشافها لمعالجتها..

بيروت 21-3-011