نور أبو فراج نور أبو فراج

الصور النمطية.. و«مفاجآت» الفعل الثوري!

يتحرك الأفراد ضمن المجتمع على ضوء هدي الكثير من المفاهيم والتصورات التي يشكلونها عن أنفسهم وعمّا حولهم، وتنبع أهمية تلك التصورات من درجة الأمان والثقة التي تمنحها لهم بوصفها الأساس الذي يبنون عليه أفكارهم واتجاهاتهم ومواقفهم.

 

يقال إن الصورة الذهنية عن شيء ما تنشأ نتيجة نوع من الكسل يتسم به العقل البشري، بحيث يقوم الفرد باختزال المعلومات المتنوعة وتبسيطها وخلق نظريات معممة شاملة عن الظواهر، وإلغاء التنوع القائم داخلها مع الإبقاء على الصفات العامة فقط.

والمجتمعات بدورها، كما الأفراد، كونت صورها النمطية عن غيرها من الثقافات والدول بالآلية والطريقة نفسها، وتعاملت معها كحقائق مطلقة، لتحمل الظروف الحالية مفاجآت عميقة تطيح عرض الحائط بتلك الصور التي كونها العرب تحديداً عن بعضهم البعض، وتدفع بهم إلى إعادة  تقييم معلوماتهم وآرائهم عن شعوبٍ يشاركونها اللغة والقومية والتاريخ، ولتثبت أن الكسل العقلي كان صفة مجتمعات بأكملها.

لطالما  وصف الشعب المصري من جانب الدول الأخرى بالخيانة للقضايا العربية  والكسل، بل وحتى بالوصولية والسرقة والغش، والأهم من ذلك كله بأنه «شعب بلا كرامة»، وكان الذكاء وسرعة البديهة والحس الفكاهي هي الصفات الإيجابية الوحيدة التي لم يستطع أحد التشكيك فيها.

ولطالما اعتبر اليمنيون شعباً كسولاً مخدراً بفعل القات، لا يحب العمل أو النشاط، ويكتفي بالجلوس طوال النهار محركاً فكيه فقط.

 الليبيون بدورهم نعتوا بالغباء والسذاجة وسيطرة العنف على تصرفاتهم، واعتبروا أصحاب ثروات لا يعلمون كيف يستثمرونها أو يوظفونها، وأنهم غير مهتمين بالعلم.  

واعتبر اللبنانيون أفراداً محبين للسهر والمرح، يعرفون كيف يستمتعون بحياتهم، وفي الوقت نفسه هم طائفيون سريعو الانفعال، مهتمون بالسياسة إلى درجة كبيرة.

لا حاجة للحديث  كم تبدو الآن الصورة مختلفة تصل حد التناقض بشكل يصعب تصديقه، كما لو أن قشرة سميكة من الملامح والصفات خبأت تحتها حقيقة مختلفة تماماً، لتصبح تلك الشعوب التي اتهمت طوال سنوات بشتى الصفات من الكسل إلى الخيانة، صاحبة المبادرة في ثورة شاملة هي الأولى من نوعها  تتركنا وراءها متأخرين حائرين.

وليظهر أمامنا الآن تساؤلات هامة عن كيفية حدوث خطأ رهيب كهذا، والأسباب وراء وجود وتبني تلك التصورات التي حكمت مواقفنا وردود فعلنا اتجاه الآخرين زمناً طويلاً . وليضع أمامنا الآن كسوريين  تحدياً حاسماًٍ حول الصور والتصورات التي سوف نتبناها عن الشعوب الأخرى مستقبلاً، والأهم من ذلك ماهية الصورة التي نبنيها ونثبتها الآن عن أنفسنا في عيون الآخرين، دون أن ننسى الأخذ بعين الاعتبار أن من خصائص الصور النمطية أنها تتشكل سريعاً لكنها  تأخذ زمناً طويلاً جداً لتتغير وأحياناً تبقى ثابتةً إلى الأبد، لذا لا بد أن نختار ملامح الصورة التي نريدها لنا في أذهان الشعوب العربية لعشرات إن لم تكن مئات السنوات القادمة.