% من إيراداتنا ستكون ضريبية إذا ما طبقت ضريبة TVA.. استنزاف لجيوب المستهلكين

عدلت وزارة المالية عن موقفها تجاه تطبيق الضريبة على القيمة المضافة، والذي تجسد بإعلان د. محمد الحسين أن المالية ليست متعجلة في تطبيق ضريبة القيمة المضافة قبل توفر المستلزمات والظروف لتطبيقها، وهذا الإعلان- الايجابي- يخالف ما أكدته وزارة المالية في مرات عديدة أنها ستطبق هذه الضريبة في العام 2010، وهذا الاختلاف أو بالأحرى التراجع المدعم بالدعوة للتريث في تطبيق هذه الضريبة يطرح العديد من التساؤلات، فهل المستلزمات والظروف كانت مؤاتية ومهيأة لتطبيقها في السابق؟! وما الذي تغير؟! وهل استفاقت وزارة المالية لأن المستهلك النهائي هو الخاسر، أم هو استيقاظ مؤقت فقط ولـ«ذر الرماد في العيون»؟!

 

المواطن سيخسر

المواطن هو الخاسر الأكبر من تطبيق الضريبة على القيمة المضافة، هذا ما جاء ليؤكده وزير المالية الذي أشار إلى «أن المواطن السوري وخاصة المستهلك النهائي، سيتأثر بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة إذا لم نحسن تطبيقها»، مؤكدا أن «المستورد، والتاجر، والصناعي قد يستثمر مناسبة تطبيقها لزيادة أرباحه وبالتالي سيدفع المستهلك النهائي ثمن ذلك».

تحصيل ضريبي كبير

الضريبة على القيمة المضافة تطبق بنحو 150 دولة في العالم، ونسبها تختلف من واحدة لأخرى، ففي ألمانيا تصل نسبتها إلى حدود 16 %، وفي بريطانيا هي بحدود 17.5%، ولا تتجاوز نسبتها في اليابان 5%، أما من ناحية التحصيل الإجمالي لهذه الضريبة، وهنا تظهر المشكلة من تطبيق هذه الضريبة في بلدنا بشكل جلي، فقد فاقت نسبتها من إجمالي الإيرادات الضريبية في الأرجنتين 51%، وفي مصر تصل نسبتها نحو 31%، وتبلغ هذه النسبة في تونس من التحصيل الضريبي الاجمالي25%، وتتراوح نسبة حصيلة هذه الضريبة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للدول التي طبقت هذه الضريبة عموماً، ما يتراوح بين 1% و 10 %، وبحسب توقعات وزارة المالية السورية فإن تطبيق هذه الضريبة في البداية ستدخل نحو 50 مليار ل س إلى الخزينة العامة للدولة، وهو ما يشكل نحو 15% تقريباً من تحصيلنا الضريبي حالياً..

ففي النهاية هذا المطرح الضريبي الجديد (الضريبة على القيمة المضافة) سيتم على حساب الشرائح الكبرى من المجتمع، وأصحاب الدخل المحدود، ولكن، إذا ما افترضنا أن الضريبة على القيمة المضافة تعد مورداً ضريبياً هاماً، وهذا أمر حقيقي بالمناسبة، فإن هذا يحتم طرح التساؤل الأساسي، هل مشكلة سورية في التحصيل الضريبي هي في نوعية الضرائب الجديدة التي يجب تطبيقها؟! بمعنى هل نحن بحاجة فعلاً للبحث عن مطارح ضريبية جديدة، أم أن مشكلتنا الضريبية تتجسد في التهرب الضريبي الذي يعد مشكلة ضريبية مزدوجة؟! بمعنى أنه تهرب غير قانوني من بعض المكلفين من إيرادات يجب دفعها، كما أنه يعد مشكلة في وجه تطبيق الضريبة على القيمة المضافة؟! أليس من الأجدى البحث عن حلول أولية وضرورية لمشكلة التهرب الضريبي في سورية قبل الشروع بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة، والذي يعد أحد الظروف والمستلزمات التي يجب توفيرها قبل تطبيق هذه الضريبة؟! ولماذا يتجاهل المسؤولون في وزارة المالية أن 50 مليار ليرة ستسحب من جيوب المستهلك النهائي، أي أغلبية المواطن السوري، بينما يبلغ حجم التهرب الضريبي 200 مليار ليرة؟! وهو تهرب بشكل أساسي من قبل كبار المكلفين، والذي يشكل 400% مقارنة بالحجم المتوقع للأموال العائدة للخزينة العامة، إذا ما تم تطبيق الضريبة على القيمة المضافة!!

خيار غير مبرر!

إن إقرار الحكومة في السابق تطبيق الضريبة على القيمة المضافة خيار غير دقيق، لأن تطبيق هذه الضريبة يتم في بعض الدول كخيار لتعويض نقص الموارد في الخزينة العامة للدولة، ونحن لا نعاني من نقص بالموارد حالياً، بل تتكرس معاناتنا بسوء جباية هذه الموارد، والضريبية على رأسها، وعلى المقلب الأخر، يجد الناظر إلى حجم الموارد الضريبية في سورية، أن حجمها يشكل 58% من إيرادات الموازنة العامة، وهذه نسبة ليست بالقليلة مقارنة بالإيرادات العامة بالتأكيد، ولكن السؤال الأساسي، إذا ما تم تطبيق الضريبة على القيمة المضافة، والتي هي ضريبة موزعة على كافة مراحل الإنفاق الاستهلاكي، المدفوعة من قبل المستهلك النهائي، فكم سيكون حجم الإيرادات الضريبية من الموازنة العامة؟! لن تقل عن 75% بالتأكيد!  فهل من العدالة أن يصل حجم الضريبة من الإيرادات العامة إلى هذه النسبة، بينما لم تصل الإيرادات الضريبية إلى هذه النسبة في أي دولة من دول العالم؟!

والاهم في القضية، أن هذه النسبة المرتفعة من التحصيل الضريبي سترتفع، ولكنها ستترافق مع تهرب ضريبي كبير في الوقت عينه!!.. فلماذا يتم التوسع في الضريبة على القيمة المضافة بينما يستمر التهرب الضريبي على حاله، كأحد معيقات جباية ضريبية عادلة؟!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.