70% من الشعب السوري بحاجة ماسة للمساعدة الصحية في 2023!

70% من الشعب السوري بحاجة ماسة للمساعدة الصحية في 2023!

منذ ما قبل انفجار الأزمة في البلاد، يعاني القطاع الصحي السوري من مشاكل مزمنة ومتراكمة تم دفعها للتفاقم خلال السنوات الماضية جراء تضاؤل الدعم الحكومي الرسمي للصحة وتراجع أعداد الكوادر العاملة في هذا القطاع، بكل ما يعنيه ذلك من تراجع في أدائه العام والخدمات التي يفترض أن يقدمها للسوريين. وذلك في زمنٍ ترفع فيه العديد من الدول في العالم إنفاقها على القطاع الصحي بعد أن تعلّمت من درس فيروس كورونا الذي كشف عيوب قطاعات الصحة على الملأ.

تدخل سورية عام 2023 وهي محمّلة بأعباء التراجع الاستثنائي الذي ضرب قطاع الصحة السوري في عام 2022، حيث زاد عدد الأشخاص الذي بحاجة ماسّة للمساعدة الصحية بمقدار 3.2 مليون شخص إضافي خلال عام واحد فقط. وتراكمت عوامل التعطّل الذي يعانيه قطاع الصحة: من آثار فترة التعاطي مع فيروس كورونا، إلى وباء الكوليرا، وصولاً إلى نزف الكادر الطبي والتمريضي وتفاقم أزمة الطاقة اللازمة للتشغيل.


1106c


15.3 مليون سوري محتاج للمساعدة الصحية!

كدليل على الانهيار الذي أصاب القطاع الصحي، يكفي القول إن ما يقارب 15.3 مليون (من أصل 22.1 مليون مواطن سوري) تقدّر الأمم المتحدة أنهم بحاجة إلى مساعدة صحية خلال العام الحالي 2023، أي أن حوالي 69.2% من الشعب السوري بات بحاجة إلى مساعدة صحية. (للمقارنة، خلال العام الماضي، كانت النسبة 54% فقط).
ومن بين هؤلاء، هنالك 7.7 ملايين إناث (بنسبة 50%)، و7.6 مليون ذكر (50%). أما الأطفال، فلا تقل نسبتهم عن 45% من إجمالي المحتاجين. ومن أصل 15.3 مليون، هنالك ما لا يقل عن 2.7 مليون مواطن (17%) من أصحاب الإعاقات.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة لعام 2023، فإن 41% من المستشفيات العامة إما متوقفة بالكامل أو «تعمل جزئياً»، في حين أن 43% من مرافق الرعاية الصحية الأولية إما متوقفة بالكامل أو «تعمل جزئياً». ومقارنة ببيانات العام الماضي فإن هنالك انخفاض ملحوظ في المستشفيات والمرافق الصحية التي تقدم خدمات رعاية الولادة الطارئة الأساسية ورعاية حديثي الولادة (-32%)، وخدمات بنك الدم (-15%)، وغسيل الكلى (-13%) وتشخيص السل وعلاجه (-9%).
ووفقاً للتقديرات ذاتها، فإن المحافظات الأكثر تعرضاً للضرر مع مطلع 2023 هي محافظات الحسكة وحماة والرقة ودير الزور وحلب وريف دمشق، حيث تعاني هذه المحافظات بشكلٍ أكبر من ناحية العراقيل الماثلة أمام تقديم الخدمات الصحية مقارنة بالمناطق الأخرى في البلاد.
ووفق إحصاءات الأمم المتحدة، تقوم 94% من الأسر بالعزوف عن القيام بالمراجعات الطبية الضرورية والتحاليل والصور، بسبب عدم قدرة العائلات على تحمّل تكاليفها العالية، بكل ما يتركه ذلك من آثار طويلة الأمد على الصحة الجسدية لهذه الأسر، وبشكلٍ خاص الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل.
وبين 25 آب و26 تشرين الثاني 2022، تمّ الإبلاغ عن أكثر من 52,013 حالة كوليرا مشتبه بها و98 حالة وفاة في جميع أنحاء البلاد، مع تسجيل أعلى الأرقام في دير الزور والرقة وحلب وإدلب والحسكة. بينما أبلغت المخيمات التي تستضيف النازحين داخلياً عن أكثر من 2,100 حالة.


1106a


ثلث الإنفاق الصحي «طار» خلال 11 عاماً!

خلف أرقام الإنفاق الحكومي «المتزايدة» بالليرة السورية تكمن الحقيقة الماثلة في تراجع الإنفاق بشكلٍ حاد إذا ما قدرناه بالدولار. فرغم التصريحات الرسمية التي تمنِّن الشعب السوري بالإنفاق الحكومي على قطاع الصحة، إلا أن الحقيقة عكس ذلك، فصحيح أن الإنفاق التقديري للحكومة على القطاع (الإنفاق التقديري يعني الاعتمادات التي تخصصها الحكومة في موازنتها لإنفاقها على القطاع، لكن هذا الإنفاق ليس إنفاقاً فعلياً، بل الإنفاق الفعلي هو فقط الموجود في حسابات قطع الموازنة التي لم يتم إصدارها منذ أعوام) قد زاد من 11 مليار ليرة سورية في عام 2011 إلى 97 مليار في 2019، ثم إلى 632 مليار خلال العام الفائت 2022. لكن تقديرات الإنفاق ذاتها تقلّصت فعلياً إذا ما قومناها بالدولار حيث انخفضت تقديرات الإنفاق من 248 مليون دولار في 2011، إلى 181 مليار في 2019، ثم إلى 175 مليون في 2022 (على سعر صرف 3605 خلال عام 2022)، ما يعني أن تقديرات الإنفاق في 2022 تراجعت بنسبة 29.4% عن تقديرات الإنفاق في 2011.


1106b


0.6 دولار شهرياً.. حصة الفرد من الإنفاق الحكومي على الصحة

تقدّر الأمم المتحدة عدد سكان سورية بحوالي 22.1 مليون نسمة. وبتقسيم المبلغ الذي رصدته الحكومة لإنفاقه تقديرياً في موازنتها للعام 2022، أي حوالي 632,000,000,000 دولار على عدد السكان، بإمكاننا تبيّن الحصة السنوية للفرد السوري من تقديرات الإنفاق الحكومي على الصحة.
وبهذه الطريقة، فإن حصة الفرد الواحد من الصحة حسب موازنة 2022 تبلغ ما يقارب 7.9 دولار سنوياً! وهي حصة استثنائية فريدة، لن نقارنها بدول أخرى حتى لا تبدو الأرقام كبيرة جداً (يبلغ الوسطي العالمي حوالي 554 دولار سنوياً)، بل سنكتفي بمقارنتها مع بيانات العام 2019 حين كانت حصة الفرد السوري من الصحة 33 دولاراً سنوياً، وكذلك ببيانات العام 2010، حين كانت الحصة 42 دولار سنوياً.


1106-3


الوسطي العالمي 15%.. في سورية 4.7%

لا بد من إعادة التذكير أن التراجع في قطاع الصحة ليس وليد انفجار الأزمة في البلاد، بل هو سابق لها، حيث أن نظرة سريعة على الأرقام الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء كفيلة بإثبات ذلك، حيث انخفض عدد المشافي الحكومية في سورية من 150 مشفى في عام 2002 إلى 113 مشفى في عام 2019.


1106d


نزف للكادر وحصة استثنائية للصحة من الموازنة

وفوق ذلك، فقدت البلاد ما يقارب 10 آلاف سرير مشفى حكومي خلال الفترة ذاتها، حيث انخفض عدد أسرّة المشافي الحكومية من 30,094 سرير في 2002 إلى 20,994 سرير حسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء الصادرة في 2020. وارتفع متوسط عدد السكان لكل سرير مشفى بنسبة كبيرة، حيث كانت النسبة في عام 2010 تبلغ 648 مريض لكل سرير، بينما وصلت اليوم إلى 706. وبينما كان الإنتاج المحلي من الأدوية كافياً في عام 2011 لتغطية حوالي 91% من حاجات البلاد، تقلصت هذه النسبة اليوم إلى حدود 80% فقط.
فضلاً عن ذلك، تراجعت العديد من مؤشرات الرعاية الصحية إلى مستويات غير مسبوقة، مثل التحصين ضد الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي حيث انخفضت نسبة تغطية اللقاح الثلاثي من 80% في عام 2010 إلى 48% في عام 2020. وساهم الانحدار العام للمؤشرات الأساسية لصحة الأطفال بزيادة في معدل وفيات الأطفال تحت الخمس سنوات من 17 وفاة لكل 1,000 مولود عام 2008، إلى 24 وفاة لكل 1,000 مولود عام 2019.
ولا بد من الإشارة إلى أن حصة قطاع الصحة السوري عموماً من تقديرات الموازنة السورية هي بالأصل حصة استثنائية بالنظر إلى قلتها، حيث لا تعادل نفقات الصحة سوى 4.7% من إجمالي الإنفاق في الموازنة العامة للدولة لعام 2022، وهي نسبة منخفضة تاريخياً في البلاد، حيث لم تتجاوز 6.8% من موازنة العام 2019، و7.5% في موازنة العام 2003. أما بالمقارنة مع دول أخرى، فتخصص الدول وسطياً نسبة 15% من موازناتها للإنفاق على قطاع الصحة، وبحسب تقديرات سابقة لقاسيون، تصل هذه النسبة في إيران إلى 22%، وفي تركيا تبلغ 10%، أما في الاتحاد الأوروبي فتقارب 16% من مخصصات الإنفاق الحكومي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1106