هل هناك مشكلة مازوت.. أم المشكلة في المازوت!؟
يبقى التعاطي الحكومي مع مشكلة تزايد الطلب على المازوت قاصراً، كونه يتعامل معها من زاوية ضيقة لا تتجاوز في أحسن الأحوال كيفية توفير هذه السلعة ومحاولة المحافظة على استقرار أسعارها، بينما من الرشيد التفكير العميق بحل المشكلة بشكل جذري ومديد عبر البحث عن طاقة بديلة تحل محل «المازوت»، الذي أثبتت التجارب السابقة أنه سيبقى مشكلة مزمنة طالما يجري الاعتماد عليه بصورة كبيرة في النقل والإنتاج الصناعي والتدفئة والري...إلخ.
في هذا الإطار ثمة أكثر من وسيلة يمكننا استخدامها لتجاوز المشكلة:
1- تحويل المركبات العاملة على المازوت لتعمل على الغاز, فلا نعود بحاجة إلى استيراد المازوت نهائياً، وهذا لا يتطلب أكثر من تشييد محطات التزويد بالغاز، بينما ستكون نتائجه عميقة، فهو سيخفض كلفة النقل على أصحاب المركبات ما سينعكس مباشرة على أجور النقل، علماً أن كلفة تحويل المركبات لتعمل على الغاز لا تتجاوز بضعة آلاف ل.س فقط. كم عدد المركبات العاملة على المازوت؟
2- تحويل نقل الركاب من المركبات إلى الخطوط الحديدية: على المدى القصير بتكثيف الرحلات يومياً بين المدن بالقطار, وعلى المدى المتوسط خلال الخطة الخمسيه الحالية, بتشييد شبكة عصرية مكهربة بطول 3000 كم تخدم القطر كله وتصله بالدول المجاورة: دمشق- بيروت, دمشق- التنف, دمشق- تدمر- القامشلي, دمشق- حلب- حدود تركيا, حلب- تدمر- التنف, حلب- الرقة – دير الزور- البوكمال بعيدا عن سرير الفرات عن يمينه وعن يساره مسافة 30-40 كم حفاظا على الأراضي الزراعية الخصبة، دمشق- السويداء- صلخد- حدود الأردن- بصرى- درعا، دمشق- التواني- جبعدين- معلولا- يبرود- النبك- قار ة- القصير – تلكلخ، حماه- الغاب، حماه- تدمر... (لمزيد من التفصيل أنظر: (إستراتيجية النقل في الجمهورية العربية السورية حتى عام 2025 – دمشق 2001 – دراسة غير منشورة)
3- رفع مستوى الأجور في سورية ليضاهي الأجور العالمية, خاصة في دول الجوار, آنذاك يمكننا تحديد أسعار للمازوت قريبة منها, فلا يكون التهريب مربحاً لأحد، ويتم ذلك على المدى المتوسط برفع الأجور كل ستة أشهر مثلاً، وزيادة الإنتاج لنتمكن من إرواء الطلب الذي ينجم عن هذه الزيادات.
4- توفير الماء الساخن للمساكن اعتماداً على الطاقة الشمسية بتقديم الخلايا الشمسية أو الأنابيب بنصف قيمتها، حيث تقوم مصانع القطاع العام والخاص بإنتاجها، وتتولى الدولة دفع كلفة الدعم لمرة واحدة فقط، ويدفع المواطن كلفة التمديدات والخزان. وهنا يجب التأكيد أنه في جميع الدول التي انتشر فيها استخدام الطاقة الشمسية لهذا الغرض دعمتها الدولة، أي أننا لا نأتي بجديد.
الغاز متوفر لدينا وفي شتى الدول العربية، وكذلك في إيران والعديد من الدول الصديقة، وتحصل سورية على مليار م3 سنوياً لقاء مرور أنبوب الغاز القادم من جمهورية مصر العربية إلى أوربا. وهو أقل كلفة وأقل تلويثا للبيئة، والأمم المتحدة كانت تدفع دعما للدول التي تحول وسائل النقل من المشتقات النفطية لتعمل على الغاز, لكن الحكومات المتعاقبة كانت ترفض مجرد مناقشة الفكرة.
إن الاعتماد على الغاز يجعلنا نحقق وفراً اقتصادياً لأصحاب المركبات وللاقتصاد الوطني وخفضاً للكلفة ووقاية للبيئة.. ويتراجع الطلب على المازوت بشكل كبير جداً.. (لمزيد من التفاصيل أنظر (سياسة الدعم والأسعار، د.نزار عبد الله- أحد فصول التقرير الاقتصادي لجمعية العلوم الاقتصادية- دراسة أوقف نشرها!).
أقرت جمعية العلوم الاقتصادية منذ أعوام، في الفترة التي كان د.عصام الزعيم رئيس مجلس إدارتها، تكليف مجموعة من أعضائها بإعداد دراسة اقتصادية متنوعة الجوانب، وكانوا عشرة من الباحثين الاقتصاديين تم الاتفاق معهم على عناوينها مقابل مكافأة رمزية مقدارها 30 ألف ل.س لكل منهم، وأنجزت الدراسة، وبدأ التحضير لنشرها، لتمثل وجهة نظر اقتصادية مستقلة عن السلطة التنفيذية لتغني الحوار الاقتصادي وتعرض بدائل اقتصادية أمام صاحب القرار.. لكن مجلس الإدارة الجديد برئاسة د. كمال شرف، سوّف وماطل، ثم توقف عن نشرها وعن أداء المستحقات لمن شاركوا بإعداد هذه الدراسة الاقتصادية دون حق..
يقضي التفكير الوطني والرشاد الاقتصادي أن تنشر هذه الدراسة إحقاقا للحق، ولأنها تتيح فهم السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة ولا تزال مستمرة، والتي أوصلت الوطن إلى الوضع الحالي الشديد الاحتقان، حيث أنها تتضمن تحليلاً ونقداً واقتراحات للحلول من المفيد معرفتها.
لقد تمت إقالة الوزارة السابقة وفريقها الاقتصادي لما ارتكبوه من أخطاء اقتصادية واجتماعية، لكن العقلية والسياسات الاقتصادية التي اتبعوها ما تزال قائمة.. ولن نتجاوز الأزمة الحالية إلا بتجاوز تلك العقلية.. وتلك السياسات.