٥٠٠ هكتار في أيام... النيران تلتهم الغابات والقرى والدولة شبه غائبة!

٥٠٠ هكتار في أيام... النيران تلتهم الغابات والقرى والدولة شبه غائبة!

لليوم الخامس على التوالي، والنيران تواصل افتراس القرى والجبال والأحراج في سهل الغاب وريف اللاذقية، لهيب أحمر يتصاعد إلى السماء، دخان أسود يخنق الأنفاس، وأصوات فرقعة الخشب المحترق تتداخل مع صرخات الأهالي وهم يركضون لإخماد النار بما تيسر من ماء وأدوات بدائية.

في سهل الغاب وريف اللاذقية، تحولت المساحات الخضراء إلى ساحة حرب ضد عدو لا يرحم، يمتد من جبل إلى وادٍ بسرعة جنونية. ففي أيام قليلة فقط، ابتلعت النيران أكثر من ٥٠٠ هكتار من الغابات والأحراج، وحولت قرى آمنة إلى مناطق منكوبة.

 

امتداد الحريق... من دير ماما إلى القرداحة

بدأت الكارثة في منطقة دير ماما بريف حماة الغربي، وسرعان ما تمددت إلى مناطق بيت ياشوط- عين الكروم- عناب- مرداش- ووصلت إلى جبال جبلة والقرداحة. بعض القرى أصبحت محاصرة باللهب، وأخرى تهجّر أهلها قبل أن تلتهمها النار.

 

تضاريس قاسية وخطط غائبة

مدير الدفاع المدني عبد الكافي كيالي لم يُخفِ الحقيقة: التضاريس وعرة- الطرقات غير موجودة- وخطوط النار غائبة تماماً. الحرارة المرتفعة وسرعة الرياح جعلت السيطرة على الحريق شبه مستحيلة.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ألم تكن حرائق الشهر الماضي درساً كافياً لوضع خطة حماية شاملة قبل أن يتكرر المشهد؟

 

الأهالي... خط الدفاع الأول

ألسنة اللهب لا تعرف رحمة، تحرق الأشجار والمنازل، وتشرد الأهالي، بينما يقف المواطنون العزّل في مواجهة جحيم مفتوح، بأدوات بدائية ودلاء ماء، في معركة غير متكافئة.

ففي بيت ياشوط وعين الكروم وعناب ومرداش، وقف الأهالي وحدهم في الصفوف الأمامية، يرشون المياه، ويحفرون بأيديهم لمنع تمدد النار. بعضهم خسر بيته، وبعضهم نزح، وكلهم يقاتلون بوسائل بدائية أمام كارثة بحجم دولة.

 

الحقيقة الصادمة

لا خطط استباقية، لا تعزيز لصفوف الدفاع المدني، لا دعم لوجستياً، ولا تجهيز لطرق وخطوط نار. وكأن الدولة اختارت أن تترك الغابات والقرى تحت رحمة الرياح والمناخ، أو تحت رحمة مشعلي الحرائق الذين يتحركون بحرية، بلا ملاحقة ولا محاسبة.

الجيش تدخل بطيران مروحي، والدفاع المدني أرسل فرقاً من حلب، لكن كل هذا جاء متأخراً، كاستجابة بعد الكارثة، وليس كخطة وقائية. فمن المفترض أن تكون هذه القوى داعمة لخطط استباقية، لا بديلاً عن غيابها.

 

أين الدولة من واجبها؟

اليوم، بدل أن يكون الجيش والأهالي قوة مساندة لجهود إطفاء منظمة ومدروسة، أصبحوا الخط الأول في المعركة، يتحملون وحدهم العبء الأكبر. هذا ليس دورهم! من واجب الدولة أن توفر أولاً خطة استجابة طارئة، فالمسؤولية الأولى ليست حماية الغابات فقط، بل وضع خطط استجابة للطوارئ قبل وقوعها، تشمل:

  • رفع جاهزية الدفاع المدني وزيادة عدد عناصره المؤهلين.
  • تأمين معدات الإطفاء الحديثة ووسائل النقل وخزانات المياه.
  • فتح طرق وخطوط نار مسبقة قبل موسم الحرائق.
  • تفعيل مخافر الحراج لمراقبة الغابات وردع التعدي عليها، وضبط مفتعلي الحرائق وملاحقتهم قانونياً.

 

جريمة بحق الطبيعة والإنسان

ما يحدث هو جريمة مزدوجة، فالطبيعة تُقتل وتُدمّر أمام أعين الجميع، والإنسان يُترك وحيداً في مواجهة كارثة قابلة للتكرار.

فالغابات ليست مجرد أشجار، إنها رئة الأرض، وبيئة، واقتصاد، ومخزون حياة وتراث للأجيال القادمة، والتقاعس عن حمايتها يعادل المساهمة في إحراقها.

 

التحرك الآن... قبل أن نصحو على رماد كامل

إن لم تتحرك الدولة بخطط وقائية واستباقية حقيقية، وإن لم تُفعّل العقوبات بحق مفتعلي الحرائق والمعتدين على الغابات والأحراج بكل جدية ومسؤولية، سنبقى نشاهد السيناريو ذاته كل فترة، وليس كل موسم صيف.

فالنيران تلتهم الجبال، والقرى تُهجّرها النار، والناس يقاتلون بصدورهم العارية، بينما الدولة يبدو أنها تتفرج من بعيد.

إذا كانت الدولة جادة في حماية أراضيها وثرواتها، فلتبدأ من اليوم قبل الغد بتنفيذ خطط واقعية وفعّالة، بدل الاكتفاء باجتماعات وتصريحات لا تطفئ شمعة، فكيف بنيران تلتهم الجبال؟