رفع الأجور غير المقترن بثبات الأسعار ينتج تضخماً وتراجعاً بمستوى المعيشة سورية الأدنى عالمياً بنسبة الأجور مقارنة بالأرباح.. وهذا مؤشر للخلل في توزيع الثروة

الفجوة كبيرة بين نسبة الأجور ونسبة الإنفاق في سورية، وأية زيادة ترقيعية للأولى مهما كان مقدارها لن تكون قادرة على جسر الفجوة بين هذين الحدين، فالحد الأدنى للأجور هو اليوم 9765 ل.س، بينما الحد الأدنى للإنفاق بحدود 22 ألف ليرة سورية، كما أن متوسط الأجور لا يتعدى 12 ألف ليرة بينما يصل متوسط الإنفاق المطلوب 31 ألف ليرة حسب آخر الأرقام الرسمية..

إذاً، الخلل بين مستوى الأجور والأسعار بات خطيراً وراحت آثاره تظهر اجتماعياً وسياسياً، وهذا ما يدفع مجدداً للتأكيد على ضرورة ردم هذه الفجوة المتضخمة يوماً بعد يوم..

لكن زيادة الرواتب والأجور لا تحقق غايتها إذا لم ترتبط بثبات الأسعار في الأسواق، لأنها ستبقى في حدود الزيادة الاسمية للأسعار، واستباقاً لنسبة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي وضرورة عدم تدنيها عن نسبة الـ 50% من هذا الناتج، فإن الأرقام السابقة تشير إلى أن المطلوب الآن هو الربط أولاً بين الأجور والإنفاق، والذي يتطلب وفق مستويات الأسعار الحالية مضاعفة الأجور، بشرط أن لا تتبعها زيادة في الأسعار كما يحدث في كل زيادة للرواتب، لأن ذلك سيرتب تضخماً في الاقتصاد، وتراجعاً في مستوى المعيشة في المحصلة، إذا ما حصل هذا الارتفاع المرافق، وهذا ليس في مصلحة المواطن أولاً والاقتصاد والوطن أخيراً.. 

ثلثا الناتج المحلي للطبقة الغنية

استناداً إلى أرقام مسح قوة العمل خلال النصف الأول من العام 2009 التي أجراها المكتب المركزي للإحصاء، تبين أن مجموع المشتغلين في سورية هو 4,9 مليون مشتغل، ومتوسط الرواتب والأجور الشهرية في القطاع العام تبلغ 12,830 ألف ليرة، بينما كان متوسط الأجور والرواتب الشهرية للعاملين في القطاع الخاص 9,680 آلاف ليرة، وهذا يوصلنا حسابياً إلى أن كتلة الرواتب وأجور إجمالي العاملين في سورية هي:

رواتب العاملين في القطاع العام: 12,830 ألف ليرة × 1,4 مليون = 18 مليار ليرة شهرياً.

رواتب العاملين في القطاع الخاص: 9,680 آلاف ليرة × 3,5 مليون = 34 مليار ليرة شهرياً.

وهذا يعني أن كتلة الرواتب السنوية لمجمل العاملين في سورية تساوي 18 + 34 = 52 مليار ليرة شهرياً × 12 شهراً = 624 مليار ليرة سورية.. وإذا ما أضفنا إلى هذه الكتلة 79 مليار ليرة سورية تكلفة الزيادة الأخيرة على رواتب العاملين في القطاع العام في سورية، نصل إلى أن كتلة الرواتب الإجمالية تصل إلى 703 مليار ليرة سورية، وذلك مقارنة بناتج محلي يصل إلى 2700 مليار ليرة تقريباً، أي أن ثلثي الناتج المحلي أرباح للطبقة الغنية أما الثلث الباقي فهو يتوزع على شكل رواتب وأجور لأصحاب ذوي الدخل المحدود.. 

تصحيح علاقة الأجور والأرباح ضرورة

 لذلك فإن المطلوب هو تصحيح العلاقة الكلية في الاقتصاد بين الأجور والأرباح لمصلحة الرواتب والأجور، والتي هي أخفض من النسب العالمية لهذه الحصة، حتى في الدول الرأسمالية الكبرى، ودون تصحيح هذه العلاقة لن يتحسن المستوى المعيشي للسوريين ولن يطرأ عليه تغييرات جدية.. فالأسعار تزداد سنوياً بأضعاف زيادة كتلة الرواتب، وبالتالي فإن النمو المتوازن لهاتين الكتلتين سيفتح الطريق أمام نمو اقتصادي شامل متوازن، تخفف فيه بالتدريج التشوهات القائمة بين التناسبات الأساسية للاقتصاد الوطني، وبالتالي إيقاف تدهور الوضع المعيشي للأكثرية الساحقة من الشعب السوري.

في نهاية عام 2009 ، بلغت حصة الأجور في الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا 49.1% من الناتج المحل، بينما متوسط هذه الحصة في الاتحاد الأوروبي 48.8، كما وصلت حصة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي في بعض دول الإتحاد إلى 54% مقارنة بالأرباح، فصحيح أن نسبة نمو الأجور في أوروبا عموماً لا تتجاوز 2%، إلا أن ذلك معبر حقيقي عن الأجور وليس معبّراً اسمياً..

فالفجوة الكبيرة بين حصتي الرواتب والأرباح في اقتصادنا تعبر عن خلل حقيقي في توزيع الثروة، وإعادة هذه العلاقة إلى نصابها الصحيح، وإلى علاقتها المتوازنة ضرورة، والتي يجب أن تتم من خلال فرض ضرائب ورسوم إضافية على أصحاب العمل بدلاً من التفنن في إعفائهم من الضرائب المترتبة عليهم، والتكارم الحكومي من جيوب السوريين...

آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين1/أكتوير 2016 00:06