أيهما أشد خطراً ناهبو الاقتصاد الوطني أم «العصابات المسلحة»؟
يترتب على ظاهرة التهريب المزدوج من الخارج إلى سورية من جهة، ومنها إلى الخارج من جهة أخرى نتائج وخيمة لا تحصى ولا تعد، ومن أهم أمثلتها، فقدان الإجراءات الاقتصادية الإيجابية لمعظم فعاليتها، والتي اتخذت في سنوات سابقة لمواجهة الانكماش، وترشيد الاستيراد والاستهلاك، بالإضافة إلى تشكك المواطنين في قدرة الدولة على قمع تهريب، كما أن تهريب السلع بهذا الحجم الكبير من المنافذ المختلفة يعني إمكانية تهريب الاسلحة والمخدرات وأية مواد تخزينية أخرى..
هذه ليست سوى أولى النتائج المترتبة على عملية التهريب الممنهج الذي يتم حالياً، حيث يضاف إلى النتائج السابقة، نزوح مبالغ كبيرة من الليرات السورية إلى البلدان المجاورة لتحويلها إلى قطع أجنبي مقبول لتسديد قيمة البضائع المهربة وما في ذلك من اثار على قيمة الليرة السورية، بالإضافة إلى خسارة موارد جمركية هامة وتحويلها إلى جيوب فئة محدودة من المهربين الكبار والمتعاونين الصغار معهم، والأهم من كل هذا، هو أن هذا التهريب أدى إلى إفساد قطاع كبير من المواطنين من خلال ممارسة أعمال غير مشروعة بهدف الإثراء السريع..
أخطر من التهريب
الأخطر من ظاهرة التهريب، ظاهرة الوساطة والسمسرة في التجارة الخارجية، وأقصد هنا بين شركات ومؤسسات القطاع العام والسمسرة، فالمرسوم رقم /51/ صدر عام 1979 حظر قبول الوسطاء والسماسرة في جميع أنواع العقود الخارجية، وفي العام 2007 1980 صدر بلاغ تفسيري عن رئاسة مجلس الوزراء موضحاً أحكام المرسوم، وكان من المنتظر من المرسوم أو البلاغ أن يقيد دور السماسرة، وينظم مفاهيم التعامل مع المنتج أو المصدر وصدر أيضاً نظام للعقود رقم /51/ لعام 2004 لكن شيئاً لم يتحقق وبلغ عدد مكاتب السماسرة في دمشق أكثر من /60/ ألف مكتب بالإضافة إلى فروعها في المحافظات الأخرى، والنسبة الأكبر من أصحاب هذه المكاتب كانوا مدراء في شركات القطاع العام، وتركوا مواقعهم إما بسبب الاغتناء أو الفساد وافتتحوا مكاتب واستخدموا خبراتهم للحصول على امتياز السمسرة لمصالح الشركات الأجنبية التي تعرفوا عليها خلال عملهم.
أساليب بالية
هذا الأسلوب تجاوزته جميع بلدان العالم، منتقلة إلى أسلوب التفاوض والاتصال والتعاقد المباشر، إن خطورة هذه المظاهر ليست في هوامش الأرباح والعمولات التي يتقاضاها هؤلاء فحسب، وإنما في تخريب المجتمع.
كان ولا يزال دور مؤسسات التجارة الخارجية محدوداً، بل وتقلص الآن مع اقتصاد السوق وكانت تتبع المؤسسات العامة في الاستيراد وسائل عدة للتعاقد استناداً إلى أحكام المرسوم /195/ لعام 1974 المتضمن نظام العقود، وعدل المرسوم وصدرت مراسيم أخرى وجميعها كانت بلا جدوى.. فماذا تعمل المكاتب والمراكز التجارية السورية في الخارج؟! والجواب واضح لأن أكثر هؤلاء لا يتقنون أية أعمال اقتصادية وهم في مواقعهم بالواسطات، لذلك وعبر سنوات طويلة كان أكثر هؤلاء يهربون العملات والسلع وفي دول الخليج يشاركون في أعمال تجارية.
لماذا شركاتنا خاسرة؟!
شركات ومؤسسات القطاع العام كانت بقرة حلوب للمدراء وللسماسرة ولجهات مسؤولة عديدة ليست لدي معلومات كم دفع هذا المدير أو ذاك حتى أصبح مديراً، ولكن نعرف أن وظائف صغيرة كثيرة تم شراؤها بمبالغ وصلت إلى /200/ ألف أو أكثر، في النفط وفي الجمارك وحتى في وظائف إدارية «استخدام»، إذاً الفساد يبدأ من الأعلى وليس من الأسفل...
فشركة الإطارات سجلت منذ بدء الاستثمار التجاري في 1/10/1982 ولغاية عام 1990 خسائر مجموعها /327/ مليون، أما الخسائر المحققة من العام 2005 ولغاية 30/9/2009 بحدود /837/ مليون ل.س، وقد أدى ذلك إلى تأكل راس المال العامل إضافة إلى ترتيب التزامات مالية تجاه الغير بحدود /400/ مليون ل.س، وتوقفت الشركة الآن لانعدام السيولة المالية الشركة بحاجة لاستيراد /115/ مادة أولية لإنتاج الإطارات وكافة هذه المواد مستوردة من الخارج، وبموجب القوانين والأنظمة السورية يجب أن تستجر المواد الأولية عن طريق الوكلاء والسماسرة، وهنا علينا أن نفهم ماذا يعني هذا؟!
بالانتقال إلى شركة الأسمدة، نجد أنها ضربت رقماً قياسياً في الخسائر، وخساراتها السنوية بحدود مليار ليرة سورية، ما عدا سنوات قليلة، و للخسارة أسبابها العديدة، كهدر المواد الأولية، ولكن الأخطر يتمثل في استيراد المواد الأولية، وفي التصدير أيضاً.
فشركة نده وردت إلى شركة الأسمدة كمية تقدر بمئات الأطنان من الكبريت، طبعاً نده استوردتها من الخارج، ووضعت هذه الكمية في أرض الشركة بالعراء بعد أن رفضت الكمية من الإدارة، ورفعت الشركة دعوى قضائية على الأسمدة، وكانت النتيجة ومع الأمطار قبل شهرين تلوثت، البحرة وتلوثت المياه، وتشرب التلوث إلى المياه الجوفية، وقد أدى ذلك إلى توقف مصفاة حمص عن العمل.. ورغم ذلك تم التعاقد مع نفس الشركة نده لإحضار دفعة ثانية من الكبريت تقدر بـ /90/ طن، وكانت تختلط بالأحجار والبحص والشوائب مما أدى إلى توقف شركة الأسمدة بعد إجراء عمرة للشركة.
فساد من نوع آخر
أكياس البولي بروبلين لتعبئة السماد، والمحتكر من شركة المتين المساهمة المغفلة، فأحد العقود بين الأسمدة والمتين يبيّن أن ثمن الأكياس في هذا العقد (211.825 مليون) مئتان وإحدى عشر مليون وثمانمائة وخمسة وعشرون ألف ل.س فقط، ومدة تنفيذ العقد /330/ يوم، وليس هدفنا قطع رزق شركة المتين ولكن ألا يجب أن تحاسب الجهات الوصائية عن هذه الشركة وخصوصاً وزراء الصناعة والمدراء الذين تواكبوا على مؤسسة الصناعات الكيمياوية لأن إقامة خط إنتاجي في شركة السماد لإنتاج أكياس البولي بروبلين لا يكلف أكثر من /50/ مليون ل.س والشركة تستجر بمئات الملايين سنوياً، ولن نتحدث عن الهدر وعن السمسرة، وعن عشرات الوسطاء والتجارة والسماسرة الذين يتدافعون على ابواب الشركة للفوز بالأرزاق لقاء حصص مع مدراء ومع موظفين ومع.. وبعد كل ذلك، كيف يمكن أن تسأل عن خسارات القطاع العام، ألا يؤكد كل هذا الفساد في مؤسساتنا العامة أن ضرب الاقتصاد الوطني أخطر من وجود العصابات المسلحة التي تتحدث عنها الجهات المسؤولة؟!