الطوارئ لا تضمن الاستمرار
أصدر مبارك قراره بمد حالة الطوارئ لعامين ينتهيان آخر مايو 2010 أو لحين صدور «قانون الإرهاب»، أيهما أقرب. وبينما رفض نواب المعارضة هذا القانون، وافق عليه برلمانيو حزب الجماعة الحاكمة بإجماع الحاضرين منهم، وسط حالة من الابتهاج الشديد والتصفيق الحاد لرئيس مجلس الوزراء لدى عرضه لمبررات التمديد.
مبررات فارغة
كانت اللجنة العامة لمجلس الشعب قد أرجعت سبب موافقتها على القرار الجمهوري بالقانون إلى المتغيرات التي شهدها العالم في السياسة والاقتصاد وتنامي الإرهاب والجريمة المنظمة خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالأزمات (تأزم المشكلة العراقية، وقوف القضية الفلسطينية على حافة الانفجار، أزمة إيران النووية، مشكلة دارفور في السودان، الوضع في الصومال، استمرار تداعيات أحداث أيلول 2001 حتى الآن) وأن القوانين العادية غير كافية لدفع خطر الإرهاب. وهي سلسلة مبررات لم تتضمن أية مخاطر داخلية، مثل حالة الحرب أو الكوارث الطبيعية أو اشتعال الإرهاب، أي ما يمكن أن يشكل مبررات حقيقية لفرض حالات الطوارئ في أي بلد.
وما سبق من مبررات يثير الضحك والرثاء على سلطة لا تستطيع الاستمرار سوى بالقمع، ولأن هذه المبررات الفارغة لو شاعت دولياً فإنها ستؤدي إلى فرض حالة الطوارئ في جميع دول العالم. كما أن هذه السلطة تمتلك ترسانة هائلة من القوانين الكافية لمواجهة أي حدث. وهي لا تحتاج بالطبع لما يسمى «قانون الإرهاب» الذي تضمنت المواد التي تسربت إلى الصحافة من مشروعه تجرم كل فعل إنساني، وهو في الواقع قانون لإرهاب الشعب.
فهل من المقبول عقلاً ومنطقاً حصر المخاطر الموجبة لحكم البلاد بالطوارئ في بلدان الإقليم الرازحة تحت الاحتلال أو التهديد بالعدوان، أو التي تفصلنا عنها آلاف الأميال، أو حشد كل الجهد انتظاراً لعدوان محتمل؟ أم أنها فرصة لافتعال عدو وهمي- على الطريقة الأمريكية- لتبرير فرض الطوارئ، مع نفي أية مخاطر من الأعداء الحقيقيين لشعبنا أي الأمريكيين والصهاينة، وتبرئتهم وإلقاء المسؤولية على أخطار محتملة وأعداء وهميين؟!
السبب الكامن..
إن السبب الحقيقي لمد العمل بالطوارئ جاء على لسان أحد نواب حزب الجماعة الحاكمة الذي أشار إلى أحداث إضراب المحلة كمبرر لفرضها، ذلك أن هذه السلطة تدرك مدى الغضب العارم الذي يجتاح الجماهير المصرية جراء السياسات التي أوصلت إلى الكارثة التي تعيشها البلاد.. تلك السياسات التي تستهدف فقط تحقيق مصالح الطبقة الحاكمة التابعة ورأس المال الإمبريالي والصهيوني والنهب والتجريف الذي لا مثيل ولا سابق له لثروات البلاد.
مصدر الشرعية
في عصرنا الراهن (عصر انحطاط الإمبريالية) حيث الليبرالية الجديدة المتوحشة تنهش الشعوب نهشاً، وحيث أن السلطة في البلدان النامية التابعة (مثل مصر) تأخذ أحط ما في المنحط أصلاً، أي أحط ما في النظام الرأسمالي الذي انتهى عمره الافتراضي منذ زمن، فإنه لا يوجد موضوعياً عقد اجتماعي بالمعنى الكامل بين الحاكم والمحكوم وإنما توجد أشكال زائفة تحاول الطبقات الحاكمة عن طريقها إضفاء شرعية غير موجودة.
في مصر توجد هياكل مؤسسات (دون مضمون): توجد رئاسة جمهورية وحكومة وبرلمان كما يوجد دستور (منتهك دوماً). لكن العقد الاجتماعي بيننا وبين حكامنا-وبشكل واقعي- قد ووري التراب منذ زمن ولذلك تنتفي الشرعية وبشكل واقعي أيضاً.
لقد تحولت هذه الهياكل إلى مجرد حارس لمصالح شريحة طبقية حاكمة (ضيقة) مستأثرة غصباً بالثروة والسلطة، تشكل في الواقع لحم وعظام هذه الهياكل اللاشرعية.
تلاشي هيبة السلطة
السلطة حينما تكون في وضع سوي، ومعبرة حقاً عن مصالح الشعب، تكتسب هيبتها ليس من القانون وحده حتى لو كان قانوناً عادلاً، ولكنها تكتسب هيبتها من حالة معنوية تتولد من قدرتها على تلبية مصالح الشعب وحاجاته وطموحاته للعدل والحرية والاستقلال الوطني.
ولذلك فإن هيبة السلطة في مصر قد سقطت، لأنها دمرت كل شيء، ولأنها عاجزة عن تلبية حاجات الناس الأساسية، ولن تعود هذه الهيبة حتى لو أمطرت السماء قوانين مقيدة لحريات الناس، وبهذا المعنى فإن شرعية السلطة قد سقطت وبشكل كامل.
لقد تم حكم البلاد بالطوارئ وعلى مدى 27 عاماً بدأت مع تولي مبارك رئاسة الجمهورية. وفترة الحكم هذه هي أطول فترة حكم عرفتها مصر طوال العصر الحديث، وبالدقة منذ محمد علي باشا، وفي هذه السنوات العجاف وصلت البلاد إلى ذروة الأزمة وإلى حافة الانفجار.
طوال هذه السنوات لم نر الرئيس يعتلي سيارة مكشوفة في موكب يسير بين الجماهير. لم نر الرئيس في عرض عسكري من تلك العروض التي كانت تقام في المناسبات الوطنية (23 يوليو أو 6 أكتوبر). لم نره في مؤتمر جماهيري حاشد ومفتوح كما كان يحدث من قبل. لم يقم بتعيين نائب لرئيس الجمهورية...
إن دروس التاريخ البشري كلها تعلمنا أنه لا ترسانات الأسلحة، ولا ترسانات القوانين، ولا العزلة الطويلة قادرة على دوام سلطة في الحكم يتناقض وجودها مع مصالح الشعوب والأوطان.
• المادة كاملة ستنشر على موقع قاسيون