أسباب الحملة الدعائية للتدخل الدولي في بورما
أثارت الكارثة التي تسبب بها إعصار نرجس للشعب البورمي حملة استثنائية قادتها الولايات المتحدة والقوى المتحالفة معها، وكذلك وسائل الإعلام، تطالب الزمرة العسكرية بفتح حدودها للمساعدات الإنسانية ولمسؤوليها، إضافةً للقوات والطائرات والسفن الحربية.
على المرء أن يتوقف هنيهة، ويستعيد حصيلة تجارب «إنسانية» مماثلة أجرتها الولايات المتحدة واستراليا سابقاً، سواء في يوغسلافيا واندونيسيا ولكن بعد ما يقارب العقد من الزمن، واصل السكان المحليون في كلا البلدين العيش في ظروف مروعة دون تلبية أي من حاجاتهم الأساسية.
الزمرة البورمية الحاكمة هي نظامٌ وحشي أطلق النار مراراً على معارضيه السياسيين بهدف الحفاظ على السلطة والامتيازات ولكن على المرء أن يقارب التقارير الصحفية بحذر شديد، فعلامات قلق إدارة بوش وحلفائها على مصير الضحايا لا تتمتع بأية مصداقية. وقد أصرّت وزيرة الخارجية رايس على أن المساعدة التي عرضتها واشنطن لم تكن «سياسية» ولكنها «مسألة أزمة إنسانية».
في الحقيقة، كانت المساعدة الأمريكية مشروطة، حيث عرضت إدارة بوش مبلغاً تافهاً قدره 3.5 مليون دولار كمساعدةٍ مالية، ولكنها أصرّت على أن يدخل البلاد مسؤولون أمريكيون وعاملو إغاثة وأفرادٌ من الجيش الأمريكي لتنظيم عمليات الإغاثة الطارئة بدل السماح للسلطات البورمية بتنفيذها. في الوقت نفسه، واصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إبقاء العقوبات على النظام البورمي، ما يزيد من صعوبات البلد الاقتصادية.
اقترح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في اجتماع لمجلس الأمن الدولي تفعيل مبدأ «مسؤولية الحماية» بغاية تجاوز السيادة الوطنية البورمية وتسليم المساعدة الدولية، بموافقة الزمرة أو بعدمها، وهو مبدأ يعود إلى الحرب الأطلسية على يوغسلافيا 1999، واستخدمته القوى العظمى في العام 2006 لتسويغ العدوان العسكري بحجة منع «الإبادة الجماعية والحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية». سيوسع اقتراح كوشنير، الذي ناقشته إدارة بوش دون أن تؤيده علناً، سيوسع من مدى تدخلات كهذه لتطال الكوارث الطبيعية مثل «نرجس».
أما مدير المكتب الأمريكي لتقديم المساعدات في الكوارث الخارجية، كي لو، فكان أكثر وضوحاً، حيث أشار إلى أن عمليات الإنزال الجوي أحادية الجانب التي قامت بها الطائرات العسكرية الأمريكية كانت أحد الخيارات في حال واصلت الزمرة رفض المساعدات الأمريكية. توجهت أربع سفن حربية أمريكية إلى بورما، وتمركزت مروحيات الأسطول الأمريكي وطائرات الشح ن العسكرية في تايلاند المجاورة. علق وزير الدفاع روبرت غيتس قائلاً إنه لا يتخيل «تدخلاً عسكرياً دون موافقة بورمية».. ومن الواضح أن الخيار العسكري وتبعاته السياسية تناقش بفاعلية.
التسونامي الآسيوي
يجري بصورة متزايدة إبراز التباينات بين النظام البورمي اليوم ونظرائه «الديمقراطيين»، في اندونيسيا وسريلانكا والهند وتايلاند في العام 2004.
لكن يكشف أي تفحص موضوعي لمأساة 2004 صورة شديدة الاختلاف. ابتلعت أمواج التسونامي الضخمة القرى الفقيرة في خليج البنغال في 26 كانون الأول.
وخلال أيامٍ طويلة، ارتفعت فيها أرقام الوفيات إلى عشرات الآلاف، لم يقدّم بوش وبلير وبقية قادة العام أي تصريح عن الكارثة. وحين قطعوا عطلتهم أخيراً، ظهر ازدراؤهم الجمعي لمصير الضحايا في تعليقاتهم السطحية وعروضهم البائسة للمساعدة. ولم تتحرك الولايات المتحدة والقوى العظمى إلا بعد سيلٍ من تبرعات وتعاطف الكادحين في أنحاء العالم المشدوه لفداحة الكارثة، في حين تعاملت الحكومات الاندونيسية والسريلانكية والهندية مع كوارثها من منظور مصالحها السياسية ولاسيما مع خصومها في الداخل، وبعد أكثر من ثلاث سنوات، يواصل آلاف من ضحايا تسونامي العيش في مساكن مؤقتة ويعانون أشد حالات البؤس.
مصالح إستراتيجية
قرار الزمرة البورمية بالقبول الانتقائي للمساعدات من الدول المتعاطفة مثل الهند والصين وتايلاند، وليس من الولايات المتحدة، لا يثير العجب كثيراً. لم تخف الولايات المتحدة تفضيلها «تغيير النظام» في بورما– إزالة النظام العسكري واستبداله بحكومة ترأسها زعيمة المعارضة أونغ سان سوكي، تكون أكثر امتثالاً لمصالح واشنطن وتفتح البلاد أمام الاستثمارات الخارجية.
استهداف الولايات المتحدة للزمرة البورمية لا علاقة له بالقلق على الحقوق الديمقراطية لشعب بورما أو لرفاهه. سبب عداوة واشنطن للزمرة البورمية هو العلاقة الوثيقة للأخيرة مع الصين، والتي تعدها واشنطن منافسها المحتمل الوحيد، فيما تشكل بورما ثغرة هامة في جهود واشنطن «لاحتواء» بكين.
وبالنسبة للشركات الأمريكية، فبورما مصدر جديد لليد العاملة الرخيصة إضافة إلى الموارد الهامة مثل النفط والغاز الطبيعي. (وعلى الرغم من العقوبات) سمحت الإدارة الأمريكية بصمت لشركة شيفرون النفطية بمواصلة استثماراتها بملايين الدولارات في بورما.
من الضروري التفكير بالمسألة الأساسية المطروحة هنا. لماذا تصيب هذه الكوارث مراراً وتكراراً الطبقات الأكثر هشاشة من سكان العالم؟ لماذا يواصل الجوع والأمراض والفقر الفتك بجماهير آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية؟
يوجد ما يكفي من الموارد لإزالة المعاناة، وكذلك للحد من تأثير الكوارث الطبيعية وفي ظل الرأسمالية، تستغل كل هذه القدرات الاقتصادية والعلمية لتزويد قلة من الأغنياء بالأرباح، في حين تواصل الأغلبية، ومن ضمنها غالبية البلدان الصناعية، الكفاح للبقاء على قيد الحياة يوماً بيوم. وإن الوسيلة الوحيدة لجسر الهوة الواسعة بين الفقراء والأغنياء هي إعادة هيكلة ثورية للمجتمع على أساسٍ اشتراكي.
• المادة ستنشر كاملة على موقع قاسيون