«وردة الدم»
• كانت «صور» علماً مزركشاً بزهور الربيع ورائحة الليمون، مثل سيف من الورد والدمع يمتد في زرقة المتوسط.. قال لي:
«هتفنا... بالروح بالدم نفديك ياجنوب... الموت لإسرائيل.. إسرائيل شر مطلق.. وجّه الجنود الصهاينة حرابهم إلى صدورنا... أطلقوا النار.. سقط جرحى منا في المهنية العاملية... لاحقوا الشهيد حسين مشيمش إلى حديقة المهينة... أطلقوا النار على قلبه.. هوى حسن.. ملأ كفه دم قلبه.. وسقى الوردة الحمراء وهو يخاطبها: اشهدي على أنني سقيتك بدل الماء دماً»..
صور ـ المهنية العاملية 1985
• سيدة خمسينية واسعة العينين، نبيلة الملامح، على شرفة بيتٍ ريفي.. قالت لي:
«كنت جالسة على هذه الشرفة.. فجأة حصل انفجار رهيب.. قلت لنفسي: الله يساعد أمو اللي استشهد بها العملية... بعد ساعة... عرفت أني أنا أمو»!
....«سالت دمعة صامته بحجم قمر على خدها».
والدة الشهيد حسن قصير ربيع 1985
• «كنت في الخامسة عشرة... أحمل بندقيتي على كتفي... فوق قميصي المهمل يبدو أن شاربي الصغير وذقني التي تنبت للتو وابتسامتي الساخرة أثارت المصور الفرنسي الذي راح يلتقط لي الصور... واقفاً وجاثياً ومنبطحاً وعلى نصف رجل... حتى أضحكني بحركاته.. فجأة أصابته رصاصة سقط... تدحرجت الكاميرا.. لاأدري لم انتابتني هبة من الضحك هطل الرصاص مثل برد غزير.. حملت المصور على كتفي ومضيت به إلى الإسعاف»
مقاتل جنوبي ـ 1986
• كنا جالسين.. أحنى رأسه إلى الأرض وروى لي:
«كنا نمشي ثلاثين كيلومتراً عبر الجبال والأنهار والثلوج لنرصد دورية صهيونية.. نكمن هادئين.. نحسب حتى حساب النفس.. تتصور أننا كنا نخاف من الصهاينة؟.. ممن إذاً؟؟؟ ... من الوحوش... من الذئاب.. من الضباع.. وأنت ترصدهم لايجوز أن تطلق النار.. لايجوز أن تنام.. أن تغفل لحظة عن هدفك.... كنت أكمن بين صخرتين... رفعت رأسي.. كان دباً كبيراً جائعاً يقف قبالتي.. سحبت حربتي بهدوء.. تقابلت عيوننا.. كشر عن أنيابه.. رفعت حربتي ببطء.. رفع رأسه ببطء.. دب متوحش جائع.. ومقاتل من حزب الله بحربة لماعة قبالة بعضهما.. المقاتل لايجوز له أن يطلق النار.. والدب جائع متوحش.. الشجاعة الهادئة مقابل الوحشية الجائعة.. أدرك الدب بغريزة الوحش أن حربة تنتظر قلبه.. خفض رأسه.. لف ذيله وانسحب»
إقليم التفاح ـ 1996
• في الجلسة ذاتها.. حك المقاتل الأصهب المتوسط القامة جبهته... وروى بخفر:
«كانت المجموعة تكمن للدورية في بنت جبيل.. وكان على المجموعة الأولى أن تطلق النار... لتتبعها المجموعة الكامنة على الكوع المتقدم... لسببٍ ما.. لم تطلق المجموعة الأولى النار... تقدم الصهاينة بآلياتهم.. المجموعة الثانية ستباد إذاً... ماالعمل؟
قفز مقاتل عن سطح بناء إلى وسط المؤللة المفتوحة من أعلى وسط الجنود الصهاينة... ذهلوا... جنوا... قفزوا من المؤللة هاربين إلى الأمام حصدتهم المجموعة المتقدمة.. عادت مؤخرتهم.. حصدتهم المجموعة الأولى.. انتبهت «قصدت» انتبه المقاتل... وجد صهيونياً في المؤللة، هزه بعنف.. لقد مات.. مات رعباً»
...ابتسمت.. نظرت إليه.. أنت من قفز إلى المؤللة إذاً! أحنى رأسه بخفر شديد... ابتسم زملاؤه وقالوا: نعم.. هو الذي قفز.. قفز بشجاعة»
«وروى بخفر... فمات الصهيوني رعباً»
نيسان ـ جباع ـ 1996
• 25 أيار... عام 2000... حشود.. مئات الألوف.. نساءً ورجالاً وأطفالاً يندفعون إلى الشريط الجنوبي المحتل... أنهار من الناس.. يحطمون الأسلاك الشائكة... العوائق طلقات الرشاشات العدوة.. ذئاب المدافع المتفجرة.. فرت الكلاب المسعورة.. تركوا كل شيء وفروا.. تركوا البنادق والدبابات والمؤللات والدشم.. حتى أباريق الشاي كانت ماتزال تغلي على النار.. 25 أيار عام 2000.. حرر نهر الناس الجنوب المحتل.. كان قائد الميدان... قائد الحشود... رافع راية النهر ثلاثيني، مربوع القامة، قوي البنيان.. بطل من «طيردبا» اسمه: «عماد مغنية»..
• تموز 2006 كل قذارة الدنيا تهاجم كل براءة الدنيا وبساطتها وطيبها وماء ينابيعها.. مئات الشهداء آلاف الجرحى.. عشرات آلاف البيوت المدمرة..
ويأتي الرد: مئات الدبابات الصهيونية المدمرة في الطيبة، وعيتا الشعب، مارون الرأس، وادي الحجير... آلاف الصواريخ، في حيفا، وصفد والجليل والكرمل... فر الصهاينة... فروا مثل كلاب مسعورة خائفة.. كان قائد الحرب سيدٌ لا يجود الزمان بمثله اسمه: «حسن نصر الله».. كان قائد الميدان.. بطل من طيردبا اسمه: «عماد مغنية»
17 آب 2006... نهر من الناس يعودون إلى الجنوب... لقد هزمت إسرائيل.. للمرة الثانية... والثالثة ثابتة.
• خلال الحرب «سعود الفيصل» ما غيره، يصرخ:
هذه مغامرة.. هؤلاء مغامرون يقودون الأمة إلى ما لاتحمد عقباه.
• مفتي سعودي قال يومها:
«لايجوز أن ندعو لهم بالنصرة».. حتى الدعاء لايجوز بدين آل السعود لمن مزقوا أحلام إسرائيل.
• اعتراف الصهاينة كلهم: لقد هزمنا في تموز 2006؟
• الأكثرية اللبنانية: لقد هزمنا في تموز 2006؟
«ماهذا التطابق»..؟؟
• 25 أيار 2008.. العالم كله في لبنان.. في المجلس النيابي من الذي أمسكهم من آذانهم وآتى بهم.. ربما مروان حمادة أو فؤاد السينورة.. أو «جعجع خليل جعجع»، أو «سعد الدين فيصل الحريري»، وعلى الأرجح «أحمد فتفت»، أو بقية فريق الدبكة.. «ووينن هالدبيكة وين..»؟
• العالم كله في لبنان.. ثمة من أمسكهم بآذانهم وأتى بهم.. سيدٌ لم يظهر على شاشة يومها اسمه حسن نصر الله.. وشهيد سقى وردته بدل الماء «دماً».. ورجل مربوع القامة عريض المنكبين.. صلب الروح.. بسيط الكفين.. قائد الميدان.. مجد لبنان أُعطي له ولرفاقه اسمه: عماد مغنية..
• أقول.. أحييكم.. أنتم أكبر من التحية.. أنتم من هزم إسرائيل وهزم شرق كوندوليزا الكبير.. أنتم من مزق الفتاوى المشبوهة.. وإذا كان ثمة قيمة في هذه العقود الأخيرة المرعبة.. فهي: وردة أرواحكم.
لقد غيرتم طريقة تفكيري... طوبى لكم!