مسلسل الحرائق.. جريمة تطال المستقبل وقوائم الاتهام مُجيّرة وقاصرة
مَن المُلام عن جريمة استمرار مسلسل الحرائق السنوي، الذي يطال غاباتنا وحراجنا وأراضينا الزراعية، بنتائجه الكارثية على الحاضر والمستقبل منذ عقود وحتى الآن؟
مَن المُلام عن جريمة استمرار مسلسل الحرائق السنوي، الذي يطال غاباتنا وحراجنا وأراضينا الزراعية، بنتائجه الكارثية على الحاضر والمستقبل منذ عقود وحتى الآن؟
يُفضّل الناس أن يروا النار تنبعثُ برفقٍ من شعلة الأولمب في الألعاب الرياضية، كمحاكاة لاحتفال بدائي بالإله بروميثيوس الذي قام، وفق المثيولوجيا الإغريقية، بسرقة النار من زيوس وإعطاءها للبشر. أو يفضلونها محاطة بحجارة في رحلة تخييم، يشوون عليها قرون الذرة الصفراء، أو قطع المارشميلو على غرار ما يفعل الأبطال في أفلام هوليوود.
أسبوعان ناريان كانت حصيلتهما التهام المئات من هكتارات الغطاء النباتي، غابات وحراج وأحراش، وأراضٍ زراعية ومحمية، والتي تحولت إلى اللون الأسود، كفصل كارثي مؤلم جديد، يضاف إلى فصول كارثتنا المستمرة.
بدأت مسلسلات الحرائق مجدداً في التهام المحاصيل الزراعية والأراضي الحراجية والغابات، وبدأت معها معاناة أصحاب هذه الغلال والأراضي، ومعاناة السوريين عموماً، بالإضافة لتراكم الأضرار على الطبيعة والبيئة والحياة عموماً.
لم تعد الأزمة المناخية أمراً مستقبلياً علينا أن نتجنب حدوثه، بل باتت اليوم واقعاً مُعاشاً يكشف عن نفسه بشكل متزايد. إنّه الحدوث المكثَّف للأعاصير الشديدة والعواصف والفيضانات والجفاف وموجات الحر القاتلة. إنّه الغابات التي تحترق في أستراليا، إنّه ما يحدث في الأمازون وإندونيسيا وسيبيريا وكندا وكاليفورنيا. إنّه كتل الجليد الذائبة والأنهار الجليدية المنحسرة وأمواج البحار المرتفعة. إنّه تدمير للنظام البيئي وفشل في الحفاظ على الحياة. إنّه ندرة الموارد وانتشار الجوع والعطش. إنّه تدمير المجتمعات والبشر وإجبار الملايين على الهرب.
دخل فصل الشتاء والأمطار، وعلى الرغم من ذلك ما زال مسلسل الحرائق يستكمل حلقاته المملّة، فقد اجتاحت بعض مناطق اللاذقية سلسلة من الحرائق مطلع الشهر الحالي، حيث وصل عددها إلى 58 حريقاً في مختلف المناطق في المحافظة.
جريمة جديدة تطال مساحات واسعة من الغابات والحراج والأراضي الزراعية حرقاً خلال الأسبوع الماضي في أربع محافظات دفعة واحدة (حمص- حماة- طرطوس- اللاذقية)، وعلى مدار عدة أيام بلياليها، مع تسجيل العديد من الضحايا والإصابات بسببها، بالإضافة إلى الأضرار المادية وفي البنية التحتية، وكما العادة كانت الرياح هي المتهمة الرئيسة بتعاونها مع الجفاف في هذه الكارثة المتجددة سنوياً.
ليس كلاماً إنشائياً القول بأن الغابات المطرية هي الرئة التي تتنفس منها البشرية، خاصة عندما يكون الحديث عن الغابات الأمازونية التي تنتج 20% من أوكسجين الأرض وتحتوي 10% من التنوع الحيوي ومسؤولة إلى حد بعيد عن الاستقرار في المناخ العالمي.
منذ تنصيبه وتيّاره في الحكم، أنتج الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو ضغوطاً معيشية واقتصادية وسياسية على الشعب والبلد، بالسياسات الليبرالية الضاربة، آخرها ما تدور أنباؤه حول العالم اليوم من حرائق غابات الأمازون.
لم تتوقف الحرائق طيلة الشهور الماضية، لكنها كانت بغالبيتها تطال الأراضي الزراعية والمواسم، وقد كان لارتفاع درجات الحرارة ومتغيرات الأحوال الجوية، وزيادة انتشار الأعشاب الجافة التي نجمت عن زيادة الهطل المطري خلال فصل الشتاء الماضي، النصيب الأكبر من المسؤولية حِيال زيادتها، وتوسع انتشارها، مع عدم نفي دور العامل البشري بذلك، إهمالاً أو قصداً، في بعض الأحيان.