الأمازون... «سياسة إشعال الحرائق» حرفياً
منذ تنصيبه وتيّاره في الحكم، أنتج الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو ضغوطاً معيشية واقتصادية وسياسية على الشعب والبلد، بالسياسات الليبرالية الضاربة، آخرها ما تدور أنباؤه حول العالم اليوم من حرائق غابات الأمازون.
تعددت وتتعدد التحليلات يومياً حول الحرائق بأسبابها وإحصاءاتها ونتائجها، وتتنوع باستنتاجاتها بحسب كُل طرفٍ ومصالحه، سواء بالداخل البرازيلي أم خارجه. فهناك من يبررها وآخرون يستهجنونها، والبعض يبرّئ الحكومة البرازيلية وآخرون يعاتبون «ضعفها»، وتعمل القوى الإعلامية على الفصل بين حُماة البيئة والقوى السياسية، ودول أخرى تستغل الظرف البرازيلي للضغط عليها وإلخ.. لكن حقيقةً، إن هذا الحدث ليس مُفاجئاً، فهو يأتي في مصلحة مشاريع حكومة بولسونارو الاقتصادية في البلاد، رُبما التفاجؤ هو حول مدى وقاحة الحكومة بدفع الأمور إلى هذا الحدّ.
تركيب مصالح
في مقالٍ سابق نُشر في قاسيون بعنوان «البرازيل تدفع بالتفاؤل» بعد فوز جاير بولسونارو بالرئاسة، ذُكر أنّ التدخلات الخارجية في البرازيل التي أفضت إلى وصول بولسانور للحكم استندت بإحدى جوانبها على ما سمّته وسائل الإعلام بـ«الطبقة المتوسطة»، وتقصد في وصفها هذا نتائج تقرير لـ«لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية» الذي بيّن في حينه خروج نحو 70 مليون من الفقر بين عامي 2002 و2014، 30 مليون منهم في البرازيل وحدها. وذُكر في المقال: أنّ مسمّى «الطبقة الوسطى» هذا يعني تحديداً «البرجوازية الصغيرة» والتي تحمل بطبعها ميولاً سياسية مُحافظة. أيّ: الجُزء الغالب من هذه النسبة هم فلاحون صعدت حكومة بولسونارو بالاستناد على أصواتهم وتضخيمها، وتسعى بجزءٍ من سياساتها لإرضائهم لتأمين حدٍ أدنى من الدعم لاستمرارها في الحُكم، بمواجهة التيارات اليسارية في البلاد.
الاختباء خلف مصالح الفلاحين
إنَّ الأمازون وعلى طول الخط في البرازيل كانت موقع صراع بين الشعب ومطامع رأس المال الاقتصادية المُعبر عنها بالحكومات المتعاقبة فيها، وصولاً إلى حكومة بولسونارو ذات الصبغة الإعلامية «اليمينية المتطرفة» التي يمكن وصفها بأنها أصبحت «لوبي لرجال الأعمال». فتاريخياً يجري افتعال حرائق بغابات الأمازون بشكل سنوي بغاية تمهيد وتجديد الأراضي للزراعة وتجارتها، وكانت قد وُضعت قوانين شكَّلت «حلاً وسطاً» بين الشعب والحكومات، قيدت فيها نسبة الحرائق ووقتها وسمّت محميات طبيعية لا يجوز الاقتراب منها بأي شكل من الأشكال. لكن ومنذ وصول تيار بولسونارو بدأ رفع الحظر عن عمل المناجم والزراعة التجارية في هذه المحميات بالمعنى القانوني، وإطلاق عقود مشاريع صناعية في منطقة الغابات، الأمر الذي يتطلب «إفراغ» مساحات من الأشجار بغية تمهيد الأرض لمنشآت صناعية وقطاعات زراعية جديدة، وفضلاً عن هذا تكون قطاع خاص واستثمارات خارجية، لتختبئ هذه الغايات والمشاريع خلف مصالح أولئك «المزارعين» فتتُرك الحرائق لتتوسع وتشمل أراضي أكثر خدمةً لهذه الأهداف... وستتطور فيما بعد إذا ما استمرت هذه الحكومة لتُطيح بهؤلاء المزارعين وتعيدهم إلى الفقر.
الحديقة الخلفية
البرازيل، بقيادة بولسونارو، هي عملياً صبيّ يعمل لصالح الولايات المتحدة في حديقتها الخلفية، تُنتج اقتصاداً يعود بجزء كبيرٍ من ربحه لواشنطن، من هُنا يمكن فهم صمت الولايات المتحدة عن حرائق الأمازون سوى عرضهم الخجول لتقديم المساعدة، حيث لها ثُلثا الخاطر بها، بالمقارنة مع مواقف الاتحاد الأوروبي القاسية مثلاً، وتحديداً منها فرنسا التي تخوض عملياً صراعاً سياسياً مع واشنطن في ملفات عديدة.
خلف كُل هذا، يتعاظم مستوى الاحتقان الشعبي في البرازيل على هذه الحكومة، وتخرج مظاهرات مناهضة لها، تجري محاولات تغييبها إعلامياً أو تشويهها عبر حصرها فقط بمسائل بيئية، لكن ورغم أهمية هذه القضية بالمعنى البيئي، إلّا أنّ تحّركات الشارع البرازيلي على الحكومة ليست جديدة، وتتجاوز حدود القضية البيئية لتشمل كل منطق عمل النظام السياسي القائم في البلاد بأي شكلٍ يتم ترويجه «يمينيّاً» كان أم «يمينيّاً متطرفاً» أم «يساراً» وهمياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 928