طلاب الثانوية بدير الزور.. «لا معلقين ولا مطلقين»!
لعل الشباب والطلاب هم الأكثر حفظاً لأشعار الشاعر الدمشقي الراحل نزار القباني ومنها هذا المقطع: «إني خيّرتك فاختاري.. ما بين الموت على صدري.. أو فوق دفاتر أشعاري»..
ومن هنا، يجد المواطنون أنفسهم أمام حكوماتنا العتيدة القديمة والجديدة ولديهم خياران، ليس أحلاهما مرّ بل كلاهما موت على طريقة القباني، لكن الفارق بين شاعر دمشق والحكومة أن طريقة موت الأول هي (الموت حُباً)، بينما طريقة الحكومة هي الموت كرهاً وقمعاً وتعذيباً/ وربما قتلاَ.. لذا لا عجب أن تدفع الحركة الاحتجاجية الشبابية بهؤلاء الأبطال الشجعان لأن يتحدوا حتى الموت بصدورهم العارية.. والسبب الرئيس السياسات الاقتصادية الاجتماعية الليبرالية، وكبت الحريات وامتهان الكرامات، وما تزال هذه السياسات مستمرة رغم ما سببته من أزمة عميقة في البلاد، تهدد أمن الوطن والشعب.. وما يزال التعامل معها جارياً بطرق تدفع إلى تعميقها وليس حلها عبر القمع والاعتقال أو الإهمال والتطنيش أو الترقيع..
في هذا الصدد، تظهر السياسات التعليمية المتّبعة وتعبر عن نفسها كأمر فيه من الخطورة ما يمكنه تدمير أجيال ستحتاج إعادة بنائها إلى عقود.. فهذه السياسات تدمر شريحة الشباب الطلاب الذين هم محرك ووقود المجتمع والحياة.. من هنا يتبين أن أي خطأ ولو بسيط ستكون نتائجه أضخم وأكثر تأثيراَ من غيره.. بل هو جريمة تاريخية بحقّ الشعب والوطن.. ويجب ألاّ تمر الأخطاء هكذا بالإقصاء لبعض الشخصيات من وزير أو مدير وإنما يجب أولاَ محاسبتهم ومحاكمتهم علنا عمّا ارتكبوه..
وما حصل في دير الزور مؤكد أنه حصل في بقية المحافظات أيضاً، حيث أعلنت نتائج الثانوية العامة، ولن نناقش هنا نسب النجاح التي تبين بعضها أن نصف الطلاب تقريباً أو ثلثهم في أحسن الأحوال راسبون، ولو اعتبرنا أنّ الخلل والتقصير منهم، وهذا غير واقعي، فالخلل هو في السياسة التعليمية المتبعة، ومنها طريقة الامتحان التي تعتمد على قياس الذاكرة فقط وليس الفهم والاستيعاب والجوانب العملية والإبداعية، ناهيك عن المفاصل الأخرى في السياسة التعليمية من فساد وكتاب ومناهج، وبقية المستلزمات.. وكلّ ذلك يشير إلى أنها أحد الاختراقات الكبيرة التي تستهدف خلق بؤر توتر في المجتمع السوري، وخاصةَ بين الشباب، لتفتيت وتدمير سورية وطناً وشعباً ومقدرات مادية وبشرية.
أعلنت النتائج، وإذ بمئات الأسماء وربما الآلاف لا اسم لهم، وبعضهم راسبون بالتشابه بمادة الجغرافية وهم قدموا امتحان الثانوية العلمية!... والأغلبية لا نتيجة لهم، فليسوا راسبين وليسوا ناجحين، وإنما معلقين وعليهم مراجعة الامتحانات..
ولدى مراجعة الامتحانات لم يجدوا جواباَ، لأن الوزارة لم تبين لهم شيئاً.. ولم يبقّ على بدء الدورة الامتحانية الثانية سوى أيام.. ونحن إذ نؤكد رفضنا لكل أساليب الغش نؤكد أيضاَ رفضنا تحميل المسؤولية للطلاب فقط، أو للمدرسين من لجان الرقابة على الامتحانات الذين كان لهم دور ايجابي في الحد من هذه الظاهرة، واستيعاب الطلاب والظروف التي يمرون بها وتمر بها البلاد، فالمسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الحكومة والوزارة وكبار المسؤولين عن السياسة التعليمية في البلاد.
وقد رافقت «قاسيون» الطلاب والطالبات الذين قاموا بمظاهرات احتجاجية يوم الثلاثاء أمام دائرة الامتحانات ومديرية التربية وهم يهتفون (وين العلامات.. وين العلامات)، متهمين الوزارة والمسؤولين بسرقتها كما اعتادوا على سرقة ثروات الوطن وأموال الشعب، واكتفى مدير التربية والمسؤولون بإغلاق الأبواب على أنفسهم دون أن يتجرأ أحدهم على تقديم أيّ ردّ لأنه لا جواب من الوزارة لديهم، والبعض اعتبر أنّ عدم إعلان نتائج الطلاب لأنها (تشابه بالصح) نتيجة غُشّ جماعي.. والبعض حمّل المسؤولية لمسؤولي حلب والمصححين فيها باستهدافهم لأبناء الدير لمشاركتهم بالحراك الاحتجاجي السياسي، ولعل هذا الجانب هو من نتائج السياسات المتبعة التي تهدف إلى تفتيت المجتمع كما يفعل البلطجية والأمن..
وقد تضامن الشباب المحتجون مع هؤلاء الطلاب، سواء في التظاهر أو في مساندتهم في مطالبهم في الاعتصام اليومي، كما قرروا تسيير مظاهرة احتجاجية دعماَ وتأييداَ لهم بمعرفة مصيرهم وحقوقهم..
وهنا نتساءل؛ ما مصير هؤلاء الطلاب والطالبات؟ وحتى لو اعتبروا راسبين فبأي نفسية سيستطيعون تقديم الدورة الثانية؟ وهل سيسعفهم الوقت للتحضير والدراسة من جديد؟.. أمّا الناجحون فسيجري تحطيم قسم آخر منهم من خلال سياسة الاستيعاب الجامعي التي تدفعهم نحو الجامعات الخاصة، وسيستمر حرمان الفقراء من متابعة تحصيلهم العلمي وإتاحتها للأغنياء فقط.. وبالتالي حرمان الوطن من آلاف المبدعين..
لقد بلغ السيل الزبى، ولا بديل عن إجراء إصلاحات جذرية وشاملة .. تغيير.. سياسي اقتصادي اجتماعي ديمقراطي ينسف السياسات المتبعة جملةَ وتفصيلاَ مع القائمين عليها والمنفذين لها والمؤلفة قلوبهم ومن لفّ لفهم من المنافقين والانتهازيين.