مطبات: الركود.. أيها المنقذ
على مدى السنوات الأخيرة لم تفلح كل أدعيتنا في جعل الحكومة تستجيب لرغبتنا في خفض الأسعار الملتهبة، وكذلك لم تستطع لجم جشع التجار الذين عاثوا فساداً في أسواقنا، وانتشلوا ما في جيوبنا من قروش، ولم تنجنا كل التدخلات الحكومية لتوازن السوق، ولنصرتنا في جعل الراتب المخجل يقوت الأيام الأولى من الشهر.
لم نصمد أمام الغلاء، الندرة، الحاجات الأساسية، المناسبات، لملمة القدر القليل من «مونة» الشتاء، توارينا خجلاً من طلبات أبنائنا في موسم المدارس، في لباس جديد للعيد، هربنا من الدائنين في محيط أحيائنا، مارسنا الكذب على أنفسنا بالأمل الذي صنعناه لنحيا، كذبنا على كل من نحب بأن الفرج قادم، وما من شدة إلا ويعقبها الرخاء، والصبر مفتاح الفرج، وتعلمنا الغش في نقل الطرابيش من رأس إلى آخر، وسقطنا في النوم من شدة التعب على حلم الصباح الذي يحمل الخلاص.
أما الحكومة، فمارست علينا كافة فنونها في التصريح والتبرير، سحبت من أفواهنا ثدي الدعم الذي تعودنا على أفضاله عقوداً طويلة، وهي في الوقت نفسه تدافع عن الجماهير ومكتسباتها، وعدم التفريط بمنجزاتها، وأن قانون العمل سيكون دون منازع لمصلحة الطبقة العاملة، وجل عمال القطاع الخاص دون تأمين من جور صاحب العمل، وأن القطاع العام ضمانة الاقتصاد الوطني، وفي الوقت نفسه تتابع شركاته الخسارات وعماله دون رواتب لشهور.
هددت الحكومة الاحتكار والمحتكرين بيد من حديد، وأنها لن تسمح بالتلاعب بلقمة الناس، وانتهاز حاجاتهم، ويزداد المحتكرون، وأسعار موادهم تدخل إلى بيوتنا وفق أهوائهم، رغباتهم، قفز الرز من 30 ليرة إلى 100، صار زيت الصويا ملك موائدنا ونحن بلد الزيتون والزيت البلدي، اللبن والحليب والجبنة واللبنة صحون الإفطار السوري تلاعب بأسعارها الباعة كما شاؤوا بدعوى مواسم الخير الغائب، الأمطار التي هجرت أرضنا وسماءنا، لم تبق مادة غذائية دون أن يأكلها من بين أيدينا الغلاء، واعتقدنا أن هذا السعير موجة عابرة، لكننا في تجربتنا المريرة مع أسواقنا كنا متأكدين أن ما يصعد من أسعار لن يهبط، وأن زوال السبب لا يعني عودة السعر إلى ما كان، ارتفع الوقود إلى أسعار لم نحتملها مع وصول برميل النفط إلى 150دولاراً، ولم يهبط مع عودته إلى أقل من سعره قبل الأزمة، وبررت الحكومة الأمر.. الواقع.
أكد القائمون إلى الآن أن الأزمة التي يشهدها العالم لن تكون ذات أثر كبير على اقتصادنا، وأن الضرر لن يكون كبيراً لأنهم يتحسبون لذلك، فلماذا تعد الآن وزارة الاقتصاد على تخفيض سلع كانت في الأوج، لماذا تتهاوى أسعار مواد البناء، الاسمنت، الحديد، ولماذا يعاد السكر إلى ما دون الثلاثين، والرز الجيد إلى 35 ليرة ، والممتاز إلى 60 ليرة، أهو موسم الخير؟ لماذا تركد العقارات دون حراك، وندخل في سوق يلعب التنافس على التخفيض الدور الأكبر، لماذا تشنق الألبسة على واجهات المحلات دون زبائن رغم دعوات ودعايات التنزيلات لأكثر من 50%، أهو الصيني الذي أطاح بالأرباح المخيفة لتجارنا، وأجبرهم على مجاراته ولو بخجل؟ لماذا تحول صناعيونا إلى تجار جملة للصيني، وأغلق بعضهم معامله كمؤشر فاضخ على تأثير الأزمة على أسواقنا، وبداية ظهور تداعياتها بأشكال مختلفة؟
الركود فعل فعلته، بالحكومة التي باتت مضطرة للتدخل، بالتجار الذين يرتعشون من فكرة الكساد، والمواطن من قلة الحيلة، الجيب العامة لم تزل غير قادرة على الشراء رغم كل التنزيلات، وتعدد المعروض وتنوعه، فالدخل البسيط لن يجاري فورة السوق الساكنة، وتكوم البضاعة وتنافسها، هو الركود القادم الذي سيضرب بأموالنا الصغيرة، وبالبضاعة الكاسدة في مخازين التجار الذين طالما اعتبرونا قروشاً ستملأ (مطمورة) جشعهم.
الركود.. أيها المنقذ، للوهلة الأولى. ِ المرعب لأيامنا القادمة.