هناك من يشنق البرغل!
قد لا يحبذ البعض في الحكومة أو خارجها توجيه اللائمة فيما وصلت إليه حال المنتجات الوطنية من سوء إلى اتفاقيات تحرير التجارة الدولية والإقليمية والثنائية، ولكن هذه الاتفاقيات تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية شئنا أم أبينا، ولا سيما أن الانخراط فيها لم يترافق مع «تفصيل» آليات تساعد على درء مخاطر الإغراق عن السوق المحلية، ومن ذلك بناء قوائم بالسلع التفضيلية ووضع بعض الحواجز أمام استيراد السلع الأجنبية التي لها مشابهات تنتج محلياً.
الجديد في موضوع الإغراق هو البرغل التركي الذي شنق حتى الآن ثلاثة من أصل أربعة عشر معملاً آلياً لإنتاج البرغل في محافظة الحسكة، ويتوقع في حال استمرار السماح للبرغل التركي بـ«غزو» الأسواق السورية دون قيد جمركي أو وازع وطني يحرك المعنيين، أن تتوقف معامل الحسكة كلها، خاصةً وأن أسعار المنتج «المستورد» بعيدة عن المنافسة العادلة كلياً- حسب قول غرفة تجارة وصناعة الحسكة التي اشتكت إلى وزارة المالية لإعادة تقدير الحد الأدنى للاستيفاء الجمركي على مادة البرغل المستورد من 20 % إلى 50% من سعر الحد الأدنى.
ليس من الواضح اليوم أن الأمن الغذائي والاقتصادي للبلاد سيبقى مدعّماً وراسخاً إذا ما اعتاد الناس «ارتداء ما لا ينتجون، وأكل ما لا يخبزون»، وإذا كان فتح أبواب استيراد الثياب «بدل تهريبها» قد أغلق في حينه مئات الورش الصغيرة في حلب ودمشق وريفيهما، فإن فتح أبواب استيراد الأغذية «بما فيها البرغل وهو ابن القمح» سيغلق أكثر من الورش، إنه سيغلق أفق الأمن الغذائي والأفق الاقتصادي بحد ذاته!.
ليس من الغريب أن ينتاب كل وطني ذلك الإحساس بالغبن كلما قرأ أو سمع خبراً عن توقيع اتفاقية تجارية جديدة، فذلك عائد ربما لأن عدد هذه الأخبار أكبر بكثير من تلك التي تتحدث عن دعم المنتج الوطني (ولو بليرة) أو عن افتتاح معمل جديد أو حتى عن اهتمام أحد في الحكومة بمستقبل سكان هذا البلد الجميل المقاوم وأمنه ومنعته!.