هل تحولت «المصغرة» إلى «ميني مصغرة»؟
اجتمع يوم الثلاثاء الماضي، 24 كانون الثاني، المبعوثون الخاصون للأزمة السورية لكلٍ من الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا، في جنيف السويسرية، وأصدروا بعد اجتماعهم بياناً مشتركاً عاماً ومختصراً، يتناسب مع اجتماعهم «المصغّر».
الغاية شبه المعلنة من هذا الاجتماع، والذي وافاه عضوان من «هيئة التفاوض» بناءً على طلبٍ أمريكي، كانت العمل ضد التسوية السورية- التركية. وهذا الاجتماع ليس النشاط الوحيد الذي قام به الأمريكان مؤخراً سعياً وراء الغاية نفسها، بل هو مفردة ضمن سلسلة من النشاطات والإجراءات.
الاجتماع بصيغته الرباعية هذه، هو اجتماعٌ غير مسبوق؛ فالعادة هي أن تجمع الولايات المتحدة وراءها ما يسمى المجموعة المصغرة الغربية، والتي تضم إلى جانب الحاضرين ضمن هذا الرباعي، كلاً من تركيا والسعودية ومصر والأردن. هذه المرة لم يحضر سوى هؤلاء الأربعة.
قد يقول قائل إنه لا ينبغي بناء استنتاجات على غياب هذه الدول عن الاجتماع، إذ لربما كان لدى الولايات المتحدة من الأساس رغبة في تصغير هذا الاجتماع بالذات لسبب ما غير معروف.
المعروف في هذا النوع من الاجتماعات هو أنّ أهم ما تقدمه هو الصورة الإعلامية السياسية لها؛ فالاتفاق على الخطوات العملية الفعلية لا يحتاج هكذا اجتماعات، ولا يتم أساساً في هكذا اجتماعات؛ فالأفعال الحقيقية تقودها أجهزة أخرى وشخصيات أخرى ضمن تكوينات السلطة في هذه البلدان وعلى الخصوص أجهزة الاستخبارات. ولذلك، فإنّ حضور أو غياب دولٍ عن هذه الاجتماعات، هو مسألة مهمة ولا يمكن التعامل معها بوصفها أمراً صدفياً، أو أمراً قليل الأهمية.
من ناحية أخرى، فالمتابع للنشاط الهستيري الذي تقوده الولايات المتحدة بشكل مباشر وعبر المتشددين من الأطراف السورية، للعمل ضد التسوية السورية التركية، لا يترك مجالاً للشك، بأنّ واشنطن لم تكن لتوفر فرصة كهذه لتحشد فيها -إنْ استطاعت- كل دول المجموعة المصغرة الغربية.
وعليه، فإنّ من المهم النظر في أسباب غياب الدول الأربعة عن الاجتماع، أي تركيا والدول العربية الثلاثة. غياب تركيا عن الاجتماع هو أمرٌ مستجد (كذلك الأمر مع غياب السعودية ومصر والأردن، ولكن لطالما كانت تركيا مكوناً أكثر أساسية في المجموعة المصغرة الغربية من الدول العربية الثلاث)؛ نقول إنّ غياب تركيا أمر مستجد يحدث للمرة الأولى رغم أنها ليست المرة الأولى التي يظهر فيها خلاف واضح بين توجهات كل من واشنطن وتركيا بما يخص سورية. من المفهوم تماماً أنّ جوهر هذا الاجتماع موجهٌ للعمل ضد تركيا وضد سياساتها الأخيرة بما يخص سورية، وخاصة مسألة التسوية، إلا أنّ ذلك وحده لم يكن ليمنع تركيا من الحضور، فكما أشرنا فإنها كانت تحضر في السابق رغم وجود خلافات بينها وبين واشنطن. غيابها هذه المرة، يعني أنّ الخلافات قد وصلت إلى عتبة لم تعد تسمح بوجود تركيا ضمن المجموعة المصغرة الغربية. وربما من المبكر الحسم في ذلك، بل وربما ينعقد في وقت ما لاحق اجتماع آخر للمصغرة تحضره تركيا، إلا أنّ احتمال غياب تركيا عن أيّ اجتماعٍ لاحقٍ للمصغرة الغربية، بات احتمالاً جديّاً.
ما يمكن أن يحمل دلالاتٍ إضافية، هو غياب كلٍ من السعودية ومصر والأردن، والذي يشير إلى أنّ حجم الهوة بين الدول العربية، وخاصة السعودية، وبين الأمريكان، في معظم الملفات، وضمن الملف السوري خصوصاً، آخذٌ في التوسع.
انحسار المصغرة وتحولها إلى «ميني مصغرة» هو أول الغيث في تبخرها بالكامل، وهو انعكاسٌ للانخفاض النوعي في وزن الأمريكان بما يخص سورية على الأقل... وهو في الوقت نفسه (أي انحسار الوزن الأمريكي) بشارةٌ باقتراب نهاية الكارثة عبر التطبيق الكامل للقرار 2254، الذي يعرقل الأمريكان تطبيقه كما عرقلوا هم ومجموعتهم المصغرة الغربية تطبيق اتفاقات مينسك... وهو بالتالي بشارةٌ باقتراب التغيير الجذري والشامل للمنظومة، في سورية وفي المنطقة، والتي يأمل الأمريكان بإبقائها تابعةً اقتصادياً، ومن ثم سياسياً...