لولا والإجراءات الجديدة
لم يستطع أنصار الغرب تصديق نتائج الانتخابات الرئاسية التي جلبت الرئيس البرازيلي اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى سدة الرئاسة البرازيلية، فما كان من أنصار الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الذين كانوا يحتجون منذ نهاية العام الماضي على نتائج الانتخابات الرئاسية، إلا أن استولوا على مبنى الكونغرس في العاصمة البرازيلية في الثامن من الشهر الحالي، واقتحموا ساحة قصر بلانالتو، المقر الرئاسي، وذكرت وسائل إعلام محلية أن المحتجين اقتحموا كذلك مباني حكومية أخرى، قبل أن تتمكن الشرطة في وقت لاحق من إخلائها واعتقال أكثر من 400 منهم.
هذا وقد تمت استعادة الأمور إلى نصابها، ويبدو أن هذه الاحتجاجات ليست إلا جزءاً من ردة فعل عنيفة اتجاه الإجراءات التي اتخذها الرئيس لولا دا سيلفا، وفي طليعتها إلغاء خصخصة الشركات المملوكة للدولة التي أقرّها سلفه جايير بولسونارو، وإعادة ملكيتها للدولة وهي ثماني شركات مملوكة للدولة، بينها شركتا النفط والغاز بتروبراس، وكوريوس بوست.
وقد كان إلغاء الخصخصة جزءاً أساسياً من برنامجه الانتخابي، في الوقت الذي حاولت فيه الإدارة البرازيلية السابقة إنجاز أكبر قدر ممكن من الخصخصة كان آخرها خصخصة الموانئ، في الفترة التي تولاها بولسونارو.
وكان لولا دا سيلفا قد أدى اليمين كرئيس جديد للبرازيل، يوم الأحد الذي سبقه، وهي المرة الثالثة التي يتولى فيها أعلى منصب في البلاد. وكان السياسي اليساري المخضرم، المعروف على نطاق واسع باسم لولا، قد قاد البلاد خلال الفترة بين 2003 و 2010، وألحق الهزيمة بجايير بولسونارو في انتخابات تشرين الأول الماضي.
ويبدو أن إلغاء خصخصة هذه الشركات ليست الجزء الوحيد من برنامج لولا الذي يحوي إجراءات متعددة تهدف إلى إعادة توزيع الثروة لأنها تعني إعادة الأرباح وإعادة المداخيل إلى تحت سيطرة الدولة أي إعادة توزيع الدخل من جديد ضمن برنامج إعادة توزيع الثروة.
ولكن إلى أين ستصل البرازيل؟ وما مدى جذرية برنامج لولا؟ إلى أين يذهب في إجراءاته وما هو حجمها؟
لقد تعهد الرئيس البرازيلي الجديد، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في خطاب تنصيبه بالقضاء على الجوع في البرازيل وإعادة بناء البلاد. وقال لولا دا سيلفا: "منذ عشرين عاماً، بدأت خطاب تنصيبي بكلمة "تغيير". وقلت حينها إن مهمة حياتي ستتحقق عندما يأكل كل برازيلي ثلاث وجبات يومياً. واليوم، يجب أن أكرر هذا الالتزام على خلفية تزايد الفقر والجوع، اللذين تغلبنا عليهما في السابق، وهما أخطر أعراض الدمار الذي أصاب البلد في السنوات الأخيرة".
حيث ألقى لولا خطاباً شديد اللهجة بعد تنصيبه، تعهد فيه "بإعادة بناء البلاد مع الشعب البرازيلي"، مشيراً الى سجل "كارثي" لسلفه جايير بولسونارو. وأكد أن البرازيل "لا تحتاج إلى إزالة الغابات وخصوصاً في منطقة الأمازون لدعم زراعتها". وقال إنه سيعمل على جعل بلاده في طليعة الاقتصاد العالمي، وأضاف: «سنقوم بإلغاء قرارات الرئيس السابق الخاصة بحمل الأسلحة، ويجب التحقيق في الأخطاء الحكومية السابقة بشأن التعامل مع جائحة كورونا ولا يمكن أن يكون هناك إفلات من العقاب».
ورغم أن برنامج لولا لا يتضمن حتماً بناء الاشتراكية إلا أنه يسير في ركب تطوير الأوضاع الداخلية في البرازيل وعلى المستوى الإقليمي والعالمي بشكل إيجابي، حيث إنه وضمن التوازنات الجديدة يقف لولا عند جذور بريكس (فهو أحد مؤسسي المجموعة). في الوقت الذي تميل دول تجمع بريكس اليوم إلى أن تصبح مركزاً يكسر هيمنة الدول الغربية ويؤسس لتحالفات جديدة أكثر ارتباطاً بالجذور الثورية لأمريكا اللاتينية، وسيساعد فوز لولا في توحيد العديد من الدول في الكفاح ضد الاستعمار الجديد، وهيمنة الغرب، ويغير ميزان القوى في المنطقة.