«باسبور كورونا» الأوروبي: هل يقلّ سوءاً عن «حَظر ارتداء الجينز» في كوريا الشمالية؟
امتنع الاتحاد الأوروبي، عبر وكالة الأدوية الأوروبية EMA، عن ترخيص أي لقاحات سوى اللقاحات الغربية الصنع الأربعة: فايزر وموديرنا وجونسون وأسترازينيكا، ولم يكتفِ بذلك، بل وفرض أيضاً «جواز سفر لقاح كوفيد-19» بحيث ألزم الدول الأعضاء بإصدار وقبول جوازات السفر فقط لأولئك الذين تم تطعيمهم بأحد هذه اللقاحات حصراً. وسمّي هذا بـ«الممر الأخضر» Green Pass والذي يعني بأنّ المسافرين حتى لو كانوا ملقّحين بالفعل بلقاحات روسية أو صينية أو حتى بلقاح كوفيشيلد الهندي (وهو أسترازينيكا نفسه لكن من إنتاج هندي) فإنهم لن يحصلوا على «المرور الأخضر» وسيُعامَلون وكأنّهم غير ملقّحين ضدّ هذا الفيروس على الإطلاق! الأمر الذي أثار انتقادات، ولا سيّما في روسيا والصين والهند وإفريقيا.
وفقاً لموقع «معلومات فيزا شينغن» فإنّه «عندما يتعلق الأمر بالتنازل عن قيود حرية الحركة، سيتعين على الدول الأعضاء قبول شهادات التطعيم للقاحات التي حصلت على ترخيص التسويق من الاتحاد الأوروبي. وقد تقرر الدول الأعضاء تمديد هذا أيضاً ليشمل المسافرين من الاتحاد الأوروبي الذين تلقوا لقاحاً آخر».
وتتخذ فرنسا موقفاً عدائياً حادّاً، حيث صرّح سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمان بون، لقناة «فرنسا-2» في 8 تموز الجاري أنه يجب استبعاد الذين تم تطعيمهم بلقاحات كوفيد-19 الروسية أو الصينية، من كتلة الاتحاد الأوروبي، ودعا دول الاتحاد الأخرى إلى «توخّي الحذر» وعدم قبول الطعوم من روسيا والصين. الأمر الذي ردّت عليه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا على قناتها الرسمية في تلغرام بأنها تصريحات غير مقبولة و«مزيج من العنصرية والهيمنة الإمبريالية والنازية الجديدة: شعوب بأكملها محرومة من الحقوق والفرص المتساوية، خلافاً للقوانين والأخلاق، مما يدفع العالم إلى المواجهة في وقت يتعرض فيه لاختبار قاسٍ من الوباء».
ومن الواضح أنّ لا أساس علميّاً لهذا الموقف الأوروبي، بل من اللافت للانتباه أنّ هذا التصريح الفرنسي المتطرّف جاء تحديداً في اليوم نفسه الذي نشرت فيه مجلة «ذي لانسيت» The Lancet البريطانية الطبية المحكّمة، نتائج دراسة عن لقاح «كورونافاك» الذي طورته شركة الأدوية الصينية «سينوفاك»، والتي بيّنت بأنّ جرعتين منه تؤمّنان حمايةً بنسبة 83.5% من أعراض كوفيد-19. ومن المعروف أن المجلة نفسها سبق أن نشرت أيضاً نتائج الطور السريري الثالث للقاح سبوتنيك V الروسي ذي الفعالية التي فاقت تسعين بالمئة ضمن الشروط المدروسة.
ولعلّ من الأدلّة القاطعة على غياب أيّ ذرائع «علمية» أو «صحية» مزعومة هو أنّ الاتحاد الأوروبي استبعد لقاح «كوفيشيلد» الهندي أيضاً، رغم أنّه ليس سوى اسم مختلف للقاح أسترازينيكا-أوكسفورد نفسه، والفرق مكان التصنيع: المصنوع في الهند سمّي Covishield والمصنوع في أوروبا سمّي Vaxzevria وفق ما أكّد موقع The Wire الهندي، والذي لاحظ بأنّ برنامج «الجواز الأخضر» الأوروبي هذا أثار استهجان خبراء الصحة، لأنه سيؤدي إلى اعتبار متلقّي كوفيشيلد – وهم غالبية الهنود الذين تم تطعيمهم بالإضافة إلى العديد من المستفيدين من مبادرة COVAX في جميع أنحاء العالم – على أنهم «غير محصنين». علماً بأنّ «كوفيشيلد» الهندي مرخّص بالفعل من منظمة الصحة العالمية، وأنّ وكالة الأدوية الأوروبية قد اعترفت في الماضي بموافقة منظمة الصحة العالمية على اللقاحات والأدوية، ولكنها في حالة كوفيد-19 لا تفعل الشيء نفسه. وأكدت مصادر مطّلعة على الموضوع في وزارة الشؤون الخارجية الهندية لموقع The Wire أنّه خلال المداولات الأوروبية «أدركوا أنه إذا كان عليهم استخدام اللقاحات المعتمدة من منظمة الصحة العالمية، فسيتعين عليهم الاعتراف باللقاحات الروسية والصينية أيضاً».
ورغم أنّ معهد سيروم الهندي ممثلاً برئيسه التنفيذي أدغار بوناوالا، صرح في 28 حزيران بأنه سيعمل على حل المسألة «قريباً»، لكن الخطوة الأوروبية تركت الهند أمام خيارات معقّدة إنْ لم نقلْ مستحيلة: فإما أن يقدّم المعهد الهندي طلباً للحصول على موافقة «الاستخدام الطارئ» للقاحه كوفيشيلد من وكالة الأدوية الأوروبية EMA، أو تقوم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإدراج كوفيشيلد في إطارها الوطني (بعضها وليس كلها فعلت ذلك بالحقيقة)، أو يتقدم بطلب الموافقة من كل دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة!
ويجدر بالذكر أنّ استبعاد اللقاح الهندي من «جواز سفر كورونا» الأوروبي لا تقتصر آثاره السلبية على الهند وحدها، حيث سرعان ما نشر مركز السيطرة على الأمراض في إفريقيا التابع للاتحاد الإفريقي بياناً في 28 حزيران الماضي، أعرب فيه عن «مخاوفه» بشأن موافقة الاتحاد الأوروبي على Vaxzevria وليس Covishield (وكلاهما كما سبق وأشرنا اسمان للقاح أسترازينكا نفسه) وحثت الهيئة الإفريقية مفوضية الاتحاد الأوروبي على «النظر في زيادة الوصول الإلزامي إلى تلك اللقاحات التي تعتبر مناسِبة للتداول العالمي من خلال كوفاكس». علماً بأنّ الاتحاد الأوروبي يقدِّم جزءاً من الدعم النقدي لكوفاكس، مما يشير غالباً إلى أنه يستعمل نفوذه داخل هذه المبادرة لتفضيل اللقاحات الغربية خدمةً للشركات الغربية والأجندات السياسية من جهة ومن أجل «البطش» باللقاحات الروسية والصينية والهندية، من جهة أخرى، مما يعرقل مكافحة الوباء على المستوى العالمي وخاصة في البلدان الفقيرة.
أما الدول الأوروبية التابعة للدول القوية فتبدي مواقف على غرار «تحذير» دول البلطيق وبولندا من أنّ سبوتنيك V يمكن أن يكون «سلاحاً جيوسياسياً من أجل توسيع الانقسامات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي»، أو على شاكلة تصريح رئيس الوزراء الليتواني في نهاية آذار الماضي: «يقولون إنّ سبوتنيك V جيد، لكن بوتين لا يهتم باستخدامه كعلاج للشعب الروسي، إنه يقدمه للعالم كسلاح هجين آخر من أجل (فرِّقْ تَسُدْ)» على حد تعبيره.
مع ذلك يواجه المحاربون الغربيّون للّقاحات المصنوعة في «الشرق» تطوّرات «غير سارّة» بالنسبة لهم، نذكر منها:
- بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي شقّت «عصا الطاعة» ضدّ بروكسل، فهنغاريا (المَجَر) وسلوفاكيا منحتا الترخيص الوطني للقاح الروسي في برامج التطعيم الخاصة بهما. وفي 14 أيار من العام الجاري، أعادت اليونان فتح حدودها أمام قائمة أوسع من الدول، بما فيها روسيا، وقبلت بالمطعَّمين بلقاح سبوتنيك V كمؤهلين لدخول البلاد. وتقبل سلوفينيا أيضاً سبوتنيك الروسي، بالإضافة إلى سينوفارم وسينوفاك الصينيَّين. وأبرمت هنغاريا بالفعل اتفاقية ثنائية مع العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم لقبول شهادات التطعيم بكوفيد-19 بما في ذلك اللقاحات التي لم تتم الموافقة عليها من قبل وكالة الأدوية الأوروبية EMA.
- عرضت هنغاريا والتشيك وسلوفاكيا على EMA، منذ آذار الماضي، الموافقة بسرعة على سبوتنيك V.
- وافقت منظمة الصحة العالمية على ترخيص لقاح «سينوفارم» الصيني في أيار 2021.
- وافقت مبادرة كوفاكس رسمياً، في 13 تموز الجاري، على أن ينضم إليها لقاحا شركتي «سينوفارم» و«سينوفاك»، ووقّعت عقداً معهما لشراء حوالي 550 مليون جرعة بحلول النصف الأول من العام القادم 2022.
في 7 حزيران الماضي ركّز الإعلام الغربي على خَبر قرارات جديدة صدرت في كوريا الشمالية، من بينها – حسب ما قيل في وكالة «فرانس 24» مثلاً – أنّ «مرتدي الجينز، وأصحاب قصّات الشعر اللافتة قد يُحتجزون في معسكرات لفترات طويلة». ماذا لو قارنّا هذا مع قرار «باسبور كورونا الأخضر» الإلزامي للاتحاد الأوروبي، والذي بدلاً من مصادرة حرّية ارتداء الملابس، فإنه يصادِر هنا حقّاً إنسانياً مشابهاً: حرّية الفرد باختيار ما هو اللقاح الذي يفضّل أخذه، ويعاقب من يرتدون «الجينز» – أقصد «اللقاح الروسي» أو «الصيني» أو «الهندي» – بعدم السفر أو باحتجازهم في «معسكرات الحجر الصحي» الذي لا داعي ولا مبرر صحّي له فيه هذه الحالة ويجبرهم حصراً على «ارتداء البنطال الرسمي» الغربي لا غير! هذا عدا عن جريمة الإبادة الجماعية لآلاف الفقراء عبر العالم رمياً بـ«كوفيد عيار 19» بسبب العرقلة الغربية (عبر الجشع والتشبث بحقوق الملكية الفكرية وغيرها) مما عرقل منح تراخيص لأنواع إضافية (وبالتالي لكميات إضافية) من لقاحات كورونا، وضمناً الجرعات المخصصة لمبادرة كوفاكس.